ذكرى مجزرة الكرامة اليمنية ... القتلة مروا من هنا



حزينة منكسرة، حلت الذكرى الثالثة لمجزرة جمعة الكرامة. لا جديد في قضية مقتل حوالى 50 متظاهراً من شبان ساحة التغيير في صنعاء يوم 18 آذار (مارس) 2011، وآلاف القتلى والجرحى ممن سقطوا في مختلف ساحات البلاد خلال عام الانتفاضة.
لا شيء غير الحسرة والألم يؤرقان أرواح الشهداء نتيجة خذلان قضيتهم وانكسار حلمهم. ذلك الحلم الذي ضحوا بحياتهم لتحقيقه ها هو يتحطم في مهب الصفقات وتبادل الاتهامات. بالنسبة إلى أهالي الضحايا وأصدقائهم ليس المؤلم أن يفلت القتلة من العقاب فحسب، بل ألّا يتحقق شيء مما خرج من أجله شبان اليمن، ورابطوا في الساحات والميادين لإنجازه. والمؤلم أكثر وأكثر أن يتحول رفاق الثورة إلى فرق يقاتل بعضها بعضاً، وتتنافس ظاهراً وخفاء على السلطة والاستمتاع بها حتى ولو فرض الأمر التحالف مع رموز النظام السابق الذي طالب الشباب بإسقاطه. مسيرات باهتة وبيانات مكرورة ونعوش رمزية وبعض حديث حكومي عن معاشات ورعاية لأسر الشهداء. هكذا، حلّت الذكرى الثالثة لمذبحة جمعة الكرامة مكسوة بالروتين الفاقد المعنى. روتين يشبه رتابة احتفالات ذكرى الثورة والجمهورية والوحدة التي اتضح بعد نصف قرن ألا وجود لها، إلا في الشعارات فقط.
والمخزي والمشين، كما يقول بعض أهالي الضحايا وأصدقائهم، أن يدير الذين صعدوا إلى السلطة بفضل الشباب، ظهورهم لقضية الشهداء بعد سيطرتهم على معظم الوزارات المرتبطة مباشرة بالقضية مثل الداخلية والدفاع والعدل وحقوق الإنسان. ويذهب آخرون إلى القول إن بعض الأطراف والشخصيات الكبيرة ربما كانت ضالعة في الجريمة. ووفق منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فإن المصالح المتجذرة لكل الأطراف تمكنت من إحباط جهود معاقبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين، مشيرة إلى إخفاق الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في تعيين أعضاء لجنة كان أعلن عنها في أيلول (سبتمبر) 2012 للتحقيق في جرائم حقوق الإنسان المرتكبة أثناء الانتفاضة، مؤكدة وقوع انتهاكات جديدة.
والحق أن استمرار امتلاك الأطراف المتصارعة القوة والنفوذ والمال وتشرذم الجيش والقضاء وغياب استقلالية المؤسسات تجعل من الصعوبة بمكان تشكيل لجنة تحقيق من داخل مؤسسات السلطة الحالية فيما تفتقر مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المستقلة النزاهة وتتهم بالتبعية الحزبية. وتتضاعف الصعوبة مع وجود قانون يعطي الرئيس السابق ومن عمل معه الحصانة من أي محاكمة. ويواجه مشروع قانون العدالة الانتقالية التعطل نتيجة الخلاف حوله في مجلس النواب. وعلى رغم مرور أكثر من عامين على اختيار رئيس توافقي للبلاد وتشكيل حكومة مناصفة مع النظام السابق واختتام مؤتمر الحوار الوطني، جاءت الإصلاحات السياسية التي طالب بها شباب الثورة شكلية وشبيهة يجمهورية 1970 الرخوة التي أعقبت المصالحة الوطنية بين الملكيين والجمهوريين في شمال اليمن. وتلفت الناشطة فوزية صلاح إلى وجه تشابه بين الحاضر والماضي وتقول: «الانقسام والتقاتل بين الثوار يذكران بانقسام الصف الجمهوري في ستينات القرن العشرين في الشمال وبالحرب بين الجبهة القومية وجبهة التحرير عقب انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن».
وفي وقت يعاني أكثر من نصف سكان اليمن من الجوع والأمية يتواصل القتال بين الجماعات الحاكمة المتهمة بإنفاق المال العام في شراء ذمم الناشطين وتجنيد الميليشيات وبناء ترسانات للدعاية والإعلام. ووفق قول الموظف الحكومي والناشط السابق في ساحة التغيير أمين خيران، فإن «الأقبح من أفعال الجماعات الإسلامية والعسكر، هو أن ينحاز الإعلام ويتحول إلى طبال لهذا الطرف ومتراساً لذاك على غرار ما نراه في حالتي اليمن ومصر».
وكان تحول التظاهر السلمي إلى قتال أزاح جانباً النضال المدني السلمي وكرس القبلية بقيمها وعنفها وتفشت خلال العامين الأخيرين العلاقات القرابية والنزعات القبائلية لتصل إلى مناطق ظن أنها حضرية مثل حضرموت. وللمرة الأولى تشهد مناطق جنوبية أعمال تخريب لأنابيب النفط. كما تصاعدت بين شبان هذه المناطق دعوات إلى حمل السلاح والقتال.
ويقول باحثون إن التنافس النخبوي كان وسيظل سبباً رئيسياً في فشل بناء دولة حديثة في اليمن. وبات الحديث عن الحوار والتعايش مجرد أحلام يقظة للبعض ونصوص تقرأ في الكتب والمؤتمرات فقط.



  

تعليقات