السجينات في اليمن "إعدام" غير معلن
صنعاء - علي سالم - الحياة
ليس ثمة من لا يتمنى الخروج من الحبس أكثر من اليمنيات اللواتي تقودهن أقدارهن إليه، فسواء تثبت إدانتهن أم براءتهن، يضع مجرد دخولهن السجن، ولو ليوم واحد، حياتهن في مهب النبذ الاجتماعي.
كإعدام من نوع خاص،غير معلن، تبدو حال السجينة في اليمن. وشاع بين اليمنيين أن «السجن للرجال»، لكنه، بالنسبة الى المرأة، جحيم تذكي ناره ثقافة العيب الذكورية وخرافة الشرف. وهذا الأخير تسبب، ولا يزال، بإزهاق أرواح كثيرة.
تدخل المرأة المعتقل، وهي على سلوك مستقيم، قد يتجلى في ندمها على فعلتها، أياً كانت. وما إن تغادر السجن حتى يتلقفها الانحراف، وتخطو خطوتها الأولى في مشوار الضياع.
لم يعد للفتاة أنوال الهمداني، من وطن أو عالم تلوذ به، غير مركز الإغاثة لرعاية المرأة في عدن. ابنة الثمانية عشرة ربيعاً باتت فريسة نظرة المجتمع إلى السجينات، ووصمة عار لأسرتها التي يخشى مركز الإغاثة أن يعمد أحد أفرادها إلى قتلها عادت إليهم، كما تقول مديرة المركز، عفراء الحريري، موضحة أن هذه المخاوف وردت على لسان أم أنوال، عندما زارت الحريري منزل الأسرة لمعرفة ما إذا كانت تتقبل عودة ابنتها.
وتتضاعف مأساة أنوال بالنظر إلى أن طفولتها بُترت مبكراً، لتُدفع قسراً إلى التسول. وفي سن الحادية عشرة حاولت أنوال الهروب من هذه المهنة الإجبارية، «مع أن أسرتي تملك مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية»، كما تقول. ولكن هربها ما لبث أن قذف بها إلى امرأة في مدينة صنعاء، دفعتها إلى ممارسة البغاء.
مرة أخرى تهرب أنوال مع فتيات، ممن كن بحوزة المرأة «القوادة». ويتّجهن إلى عدن. هناك تعمل أنوال نادلة، في أحد الفنادق، بينما تمتهن زميلاتها الرقص في الفندق نفسه.
إفادة مغلوطة للبقاء في السجن
تبدأ المصادفة عندما تداهم الشرطة الفندق، فتعتقل عدداً من الفتيات بجنحة معاقرة الخمرة، ومن بينهن أنوال التي قالت إنها لم تكن مخمورة، في تلك الليلة. وذكرت أن شرطياً ملتحياً، بثياب مدنية، تولى مهمة شمها في قسم الشرطة، وأكّد عدم وجود أي أثر لرائحة الخمرة. وفقاً لروايتها، اقتيدت الفتاة وزميلاتها الى السجن، ثم إلى المحكمة التي أمرت بجلدهن. وذكرت أنوال أن القضاء لم ينصب لها محامياً، أثناء مثولها للمحاكمة.
وعلى رغم تعاطف القاضي معها، ربما لصغر سنها، حكم عليها باعتبارها بلغت السن القانونية، لأنها ذكرت له أن عمرها 18 عاماً. وتقول: «تعمّدت المغالطة في تحديد سني لأتجنب الإفراج عني، لأني لم اكن أعرف إلى أين أذهب وبمن ألوذ، اذا ما تركت زميلاتي».
وبحسب المحامية عفراء الحريري وهي مديرة مركز رعاية المرأة في عدن، فإن دخول أنوال المركز، كان بواسطة إحدى الاختصاصيات الاجــتماعيات، ممن ينشــطن ضـمن ســجون النــساء.
ويستقبل المركز منذ تأسيسه عام 2005، 48 امرأة من السجينات اللواتي يُفرج عنهن. وحالياً توجد فيه ثماني نساء.
وعلاوة على إيواء السجينات المفرج عنهن، يقدم المركز برامج تأهيل تتضمن دروساً في القراءة والكتابة، وتعليم بعض المهن الحفيفة، مثل الخياطة والتطريز وتزيين الشعر.
وللوهلة الأولى، بدت أنوال مرتاحة الى حياتها في المركز، وقالت إنها صارت في الصف السادس، مشيرة إلى أنها لا ترغب في العودة إلى العمل في الفنادق.
والمشكلة التي تواجه أنوال وزميلاتها، بحسب الحريري، تتمثل في حرمانهن من الحصول على بطاقات هوية. وسبق للحريري أن خاطبت وزير الداخلية ومصلحة الأحوال المدنية، في خصوص منح النزيلات أوراقاً ثبوتية، لكنها لم تجد أي تجاوب، معتبرة ذلك من بين الضغوط، التي قالت إن السلطات تمارسها ضد المركز. وعرض عليها الحصول على بطاقات، من طريق الرشوة، لكنها رفضت أن تسلك هذا الطريق، كما ذكرت.
الواقع في السجن وخارجه
ولا تتوافر معلومات دقيقة عن عدد السجينات في السجون اليمنية وطبيعة أوضاعهن. ويقول اتحاد نساء اليمن أنه ترافع عن 810سجينات، وساعد في الإفراج عن 360 سجينة. وتشير معلومات غير مؤكدة، إلى حالات حمل بين السجينات، نتيجة عمليات اغتصاب تعرضن لها في الداخل، إلاّ أن رئيسة اتحاد نساء اليمن رمزية الأرياني، قللت من صحة هذه المعلومات.
ويدور حديث عن نساء يقبعن في السجن تحت طائلة الشبهة فقط. وكانت المخرجة اليمنية خديجة السلامي، حققت شريطاً مصوراً تطرّق إلى موضوع السجينات بعنوان «السجينة أمينة»، وهو اسم فتاة كان حكم عليها بالإعدام، لكن الرئيس اليمني أمر في اللحظات الاخيرة، بوقف التنفيذ، بعدما أوضحت له السلامي أوجه القصور في إجراءات المحكمة.
وبحسب استبيان نفذه اتحاد نساء اليمن على عينة من السجينات، لا يزال العامل الاجتماعي يشكّل سبباً رئيساً في وصول النساء إلى السجن.
وشكا أفراد العينة «من وطأة الظروف الاجتماعية المتمثلة بالموروث الثقافي السلبي، والعادات والتقاليد التي تميز بين الذكور والإناث، وتنحاز الى الذكور». وتفيد نتائج الاستبيان أن سجينات كثيرات لجأن إلى ممارسة سلوك منحرف، بسبب المعاملة القاسية من الأهل أو الأزواج، وبسبب الإهمال المتعمد لهن، وتفكك الروابط الأسرية وانهيار مؤسسة الزواج.
وواضح أن الاهتمام بالمرأة السجينة ما زال واقعاً في «مطب» الاستحواذية وانقسام منظمات المجتمع المدني في اليمن، إلى موالاة ومعارضة. وهو الأمر الذي يجعل الفأس تقع على رؤوس الفئات المستهدفة التي قد تتسم أحيانا، بطابع إنساني شديد الحساسية، مثل السجينات.
وعلى رغم أن الحريري واحدة من الناشطات في اطار اتحاد نساء اليمن، الذي يُدرج المرأة السجينة في لائحة أولوياته، يغيب التنسيق، أو يكاد، بين الاتحاد والمركز. وتتهم الحريري الاتحاد ورئيسته رمزية الارياني بالاستقواء بالسلطة لضرب مركز عدن، في حين ترد لها الارياني باتهامها بالاستيلاء على مركز عدن، الذي كان تابعاً للاتحاد، إثر فشلها في الانتخابات الأخيرة... وهذا السجال من شأنه فقط مضاعفة معاناة السجينات، إضافة إلى أن
الاهتمام بأوضاع السجينات يفتقر إلى ضوابط وتوعية وقوانين، في غياب الوعي الأخلاقي. وأسوأ ما في الأمر ربط حقوق الإنسان بمنازعات سياسية.

تعليقات