إلهام مانع:مستقبل الديمقراطية في اليمن يفترض القطيعة مع نهج الإسلام السياسي والرئيس والاحمر يسعيان الى توريث الحكم

حـوار: علـي سالـم المعبقي

يحلو للبعض تشبيهها بنوال سعداوي يمنية، وهي فعلاً أثارت جدلاً سيما لجهة آرائها حول الحجاب وحقوق المرأة. لكن الباحثة إلهام مانع تبدو أنموذجاً مائزاً للمرأة وبخاصية تخلق تكوينها ذاتياً تشتغل على حقل السياسة والدمقرطة، كما تتعاطى كتابة الرواية.وربما عيشها في ثمان دول (راجع الإطار) هو ما جعل منها إمرأة كوزموبوليتانية قبل أن تستقر في سويسرا وتحصل على جنسيتها.في حوارها مع «النداء» تحدثت إلهام مانع بعقل منفتح تحليلي، لكن كذلك بروح المنتمية إلى أمة عربية مثخنة بصنوف المعاناة وشتى النكسات. وهي تنقلت بالحوار على أكثر من بؤرة بدءاً من تقلبات السياسة والمجتمع في اليمن وليس انتهاء بالحالة الاقليمية والدولية وما تواجهه الجاليات العربية في الغرب.


* في ضوء انتخابات 20 سبتمبر، كيف تقيمين أوضاع حقوق المرأة في اليمن؟

- لا بد بطبيعة الحال أن نميز بين ما هو موجود نظرياً وما هو موجود في الواقع. إذ على الرغم من أن الدستور والقوانين الموجودة يمكن أن تُقرأ بأكثر من وجه، لكن القراءة المتواجدة حالياً هي قراءة لصالح المرأة، أن ترشح المرأة نفسها للرئاسة. عندما تقرأ النص الدستوري في هذا الصدد، تجده يتحدث عن رجل. رغم ذلك تم التغاضي عن هذه المسألة لصالح المرأة وهذا لحسن الحظ. ولكن كيف يتم تطبيق ذلك على أرض الواقع؟ هنا المفارقة إذ تشعر أنها بالفعل ورقة سياسية يتم اللعب بها من قبل كافة الاطراف المتواجدة على الساحة السياسية. السلطة والمؤتمر الشعبي العام موقفه هلامي، فهو وإن أظهر تأييداً للمرأة لكنه تأييد هلامي إنتهازي، من حيث استخدامه للمرأة كورقة للحصول على الكسب الخارجي.. أداة من أدوات السياسة الخارجية. إلا أن هذا بشكل أو بآخر يصب لصالح المرأة. والسؤال هو: ما الذي نتج عن هذا التسييس لورقة المرأة؟ نجد أن الحزب الاشتراكي لديه موقف مبدئي مؤيد للمرأة ناتج لتاريخه ولفكره . عندك حزب الاصلاح موقفه ما زال غامضاً. هو لديه موقف مبدئي يبدو أنه غير مؤيد لمشاركة المرأة. إلى الآن لم يحسم حزب الاصلاح قضية مشاركة المرأة، كما لم يرشح نساء إلى المجالس المحلية، وهذا امر سلبي بشكل كبير. الأحزاب السياسية عندما تعاملت مع موضوع المرأة جنت على حق المرأة. كان من المفترض على احزاب اللقاء المشترك ان تتحمل مسؤوليتها كمعارضة وتقدم مثالاً جيداً، لكنها لم تفعل ذلك. اصبحت المرأة ككرة في ملعب يتلاعبون بها جميعاً والكل يزايد عليها. لهذا لم تفز في الانتخابات المحلية الأخيرة سوى 35 امرأة. قارنها بما كان عليه الامر في السابق ستجد تراجعاً.ماهو جيد في انتخابات 20 سبتمبر الماضي هو الحراك بالنسبة للمرأة في حد ذاته. حيث بدأت تأخذ مواقف وشرعت بالتحرك. منظمات المجتمع المدني بدأت تسعى إلى أن تكون قوة ضغط.> لكن الانتخابات الأخيرة بدت أقل ديناميكية لا سيما الانتخابات الرئاسية، إذ يرى البعض أن نجيب قحطان الشعبي عاد في نسخ جديدة من المرشحين.. إلى أي مدى فعلاً تشهد التجربة الديمقراطية في اليمن نضوجاً؟- إذا تحدثنا عن التجربة الديمقراطية بشكل عام وتغاضينا عن مسألة المرأة، أرى أن ما حدث كان حراكاً حقيقياً، خطوة تحسب إلى الأمام رغم ما شابها من سلبيات ورغم ما يمكن أن يكون قد تم من تلاعب. ذلك أن امكانية التلاعب موجودة، من قبيل التلاعب بالسجلات، حيث اموات كثيرون اقترعوا، هذه امكانية واردة. إلا أنه ورغم ذلك فإن الحراك الحقيقي حدث عندما تحالف الفرقاء وأعني على الأخص الحزب الاشتراكي و التجمع اليمني للإصلاح اللذين قررا مع احزاب اللقاء المشترك أن يتحولوا إلى كتلة معارضة. هذه الخطوة كان لها اهميتها القصوى نتيجة أنها تحولت إلى معارضة فعلية، معارضة يحسب حسابها، حيث لم يكن لأي من هذه الاحزاب متفرداً أي تأثير فعلي، لكن عندما التقت هذه الاحزاب فيما بينها، وتغاضوا عن خلافاتهم وهي كثيرة، صار لديك معارضة.المشكة في البلدان العربية بصفة عامة هي عدم وجود معارضة فعلية قادرة على منافسة الحزب الحاكم. هنا على الأقل في اليمن، حدثت خطوة إلى الأمام, والسؤال هو: إلى أي مدى سنصل بهذه التجربة إلى غايتها وهي التداول السلمي للسلطة؟ هل هناك فعلاً امكانية لتنازل الرئيس علي عبدالله صالح؟ لو حدث مثلاً، أن بن شملان كسب في الانتخابات، هل كان علي عبدالله صالح سيتنازل عن الحكم؟ هذا هو السؤال. حتى لو أراد (الرئيس صالح) أن يتنازل عن الحكم، وأصبح نبياً، وقرر التخلي عن السلطة، ونحن نعرف أن زمن الانبياء انتهى ولا نعرف رئيساً عربياً تخلى عن السلطة طواعية سوى سوار الذهب في السودان ودفع ثمن ذلك غالياً، حتى لو قرر الرئيس صالح أن يفعل ذلك لديك مجموعة من الرجال الأقوياء في مواقع متنفذة لن يدعوه يتخلى، لأن مصالحهم مرتبطة بوجوده أساساً.

*هل مستقبل الديمقراطية متعلق بأشخاص؟

- لديك معارضة بدأ يحسب حسابها. ماذا ستفعل هذه المعارضة في المستقبل؟ هذا يظل هام جداً، المسألة معقدة بطبيعتها.

* على من -إذن- يعول في مسألة الديمقراطية لا سيما في ظل استمرار ثقل العسكر والقبيلة مقابل ضعف المجتمع المدني؟

- عندما تلقي نظرة على التجارب الديمقراطية في البلدان الأوروبية، هذه البلدان العريقة في الديمقراطية، كم سنوات أخذت حتى ترسخت؟ مئات السنوات.مشكلتنا أن عملية التنمية والتطور الذي يحدث، يحدث بوتيرة متسارعة إلى حد ربما لا تسمح البنية المتواجدة باستيعابها. هذه مشكلة. وعدم الاستيعاب هذا يؤدي إلى احتمال نكسة. فيصل بن شملان لو كان كسب لقوبل بتدخل مثلما حدث في الجزائر رغم اختلاف الظرف والجوهر في الحدثين، ذلك أن البيئة لم تكن مهيأة لتقبل النتائج التي ستتمخض عنها صناديق الاقتراع.> ما جرى في الجزائر تم بما يشبه توافقاً خارجياً. طبيعة الحركة التي نجحت في الانتخابات كانت تثير مخاوف الغرب. لكن الحالة اليمنية مختلفة فلم يعد بإمكان المجتمع الدولي في الوقت الراهن أن يوافق على التراجع عما تفرزه صناديق الاقتراع.- ما حدث في الجزائر مرتبط أساساً بأن هذه القوى الاسلامية توصف بالمتطرفة. وهي كانت متطرفة في كثير من مواقفها. وكان الخوف، على ما أشار تقرير التنمية البشرية العربي لعام 2004م حول الحقوق والحريات، أشار إلى ما يطلق عليه انتخابات لمرة واحدة. هذا نوع من «البُعبُعْ» الذي يستخدمه الكثير من الحكام العرب، أنه إذا تركنا للإسلاميين المجال للدخول في الانتخابات سيفوزون بنسبة كاسحة وستكون انتخابات لمرة واحدة، تمكنهم الاغلبية التي يحصلون عليها -وهذا ما كان يُخشى حدوثه في الجزائر- من تغيير الدستور وتغيير هوية المجتمع بأسره. هكذا كان الخوف. عندك هناك مصالح مرتبطة أساساً وعضوياً بين الجزائر وأوروبا وخاصة فرنسا. كان هناك أكثر من عامل مرتبط بالحدث الجزائري. اليوم في اليمن تقول الولايات المتحدة أنها تدعم الديمقراطية. هذا صحيح؛ الرئيس جورج بوش حدد للسياسة الخارجية الامريكية أسساً ومنها نشر مفاهيم الديمقراطية في العالم العربي باعتبار ان مثل هذا سيؤدي إلى تغيير الدفة لغير صالح الفكر الإسلامي المتطرف، هذا نظرياً، ما حدث مع الوقت، وما حدث في العراق أدى، ربما، إلى إعادة نظر الإدارة الامريكية. تجد ذلك عملياً وليس على صعيد الأقوال. وجهة النظر هذه تقول: من الأفضل التحالف مع القوى السائدة حالياً لأنها أفضل الشرِّين فإذا كان علينا أن نترك الساحة للعمل الديمقراطي في إحداث تغيير يصل بالإسلاميين إلى الحكم فإن ذلك قد يضر بمصالحنا. فيما يتعلق باليمن تحديداً هناك ظرف بالغ الخصوصية يتعلق بمشاركة اليمن الفعالة في الحرب الدولية ضد الإرهاب وهذا مهم جداً ذلك أن الولايات المتحدة لا تفعل شيئاً إلا لمصلحتها وهذا أمر طبيعي. كل الدول تبني سياساتها بما يخدم مصالحها. فيما يتصل باليمن مسألة الحرب ضد الارهاب هامة كما أن مشاركة اليمن فيها هامة ولا أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تقف موقفاً معارضاً من وصول المعارضة اليمنية إلى السلطة إلا إذا كان في هذه المعارضة قوى من الممكن أن تقف موقفاً معارضاً لمشاركة اليمن في الحملة الدولية ضد الارهاب.

*معنى ذلك أنه وفي ظل استمرار ما يسمى باللقاء المشترك، المنضوية فيه احزاب دينية متهمة، غربياً على الأقل، بدعم الإرهاب.. هل يعني ذلك أن الادارة الامريكية ستبقى داعمة لحزب المؤتمر الحاكم؟

- لا يمكن لي أن أتحدث بلسان الولايات المتحدة الأمريكية. كان هناك عدة تصريحات للسفير الأمريكي بهذا الشأن، لكنني أعتقد أن ما حدث بالنسبة لتحالف اللقاء المشترك كان حراكاً صحيحاً. وأعتقد أن دخول حزب التجمع اليمني للاصلاح في هذا التحالف هام جداً. وهو هام جداً كذلك بالنسبة لتطور الأحزاب الدينية. لأنه إذا ما أمكن تحول الأحزاب السياسية التي تتخذ من الاسلام السياسي جوهراً وأساساً إلى أحزاب عادية مثل غيرها من الأحزاب: تقبل بالآخر أياً كان وتقبل أن تكون طرفاً من أطراف متعددة على الساحة السياسية، تكون بذلك قد وصلت بالعملية السياسية إلى مداها الطبيعي.أما إقصاؤها إلى المرحلة التي تدفعها إلى العنف، هنا تبدأ المشكلة. ما يحدث الآن تطور رائع. والسؤال هو: هل هذا التطور يعكس فعلاً رغبة بالقبول بصناديق الاقتراع مهما كانت؟ فعندما يصل الحزب الاشتراكي مثلاً أو أي حزب علماني إلى السلطة، هل سيقبل التجمع اليمني للاصلاح بذلك رغم أن مثل هذا الفكر الاشتراكي أو العلماني لا يتفق مع مبادئه؟

*لكن ما يؤخذ على تحالف اللقاء المشترك هو عكس ما تتحدثين عنه. صحيح أن مثل هذا الأمر يخرج الأحزاب الدينية من تقليديتها، لكن ما حصل هو عكس ذلك. بالفعل هي انفتحت إلى حد ما على الديمقراطية غير أن ذلك ترك أيضاً آثاراً سلبية على بعض احزاب التحالف. فعلى سبيل المثال: يرى مراقبون أن الاشتراكي تراجع عن بعض المبادئ والقضايا، مثل مناصرة المرأة، فهناك نساء اشتراكيات اعتبرن ان الاشتراكي منذ تحالفه مع احزاب دينية راح يقدم تنازلات على حساب قضايا مبدئية من قبيل التضحية بالمرأة..

- (مقاطعة).. احنا دائماً نستعجل النتائج. المسألة مسألة تطور. هناك مسار لا بد أن يأخذ مداه. ما نراه اليوم هو عملية مخاض، ما سوف تتمخض عنه؟ هو السؤال.أعتبر تحالف اللقاء المشترك خطوة إيجابية، نتائجه على المرأة كانت سيئة. علينا أن نسمي الاشياء باسمائها. مؤكد أن الحزب الاشتراكي تراجع، ربما تجاوباً مع موقف التجمع اليمني للاصلاح من ترشيح المرأة، والتجمع اليمني للاصلاح لم يرشح أي امرأة وهذا يحسب ضده فيما يتعلق بقضية المرأة. لكن رغم ذلك سيكون من الاجدى أن نترك لهذه التجربة مساحة. ربما تتبلور. انظر مثلاً وضعية الاحزاب السياسية في بلدان اخرى: في سويسرا على سبيل المثال هناك احزاب ما زالت تحمل اسم «المسيحي الديمقراطي»، وكانت هناك احزاب أخرى راديكالية، وهذه كانت تأخذ موقفاً متشدداً من الأحزاب المسيحية. الحزب المسيحي الديمقراطي تاريخه يعود إلى 1848، والحزبان الراديكالي والمسيحي كانت مواقفهما متناقضة، الأول ليبرالي والآخر يتخذ من الدين جوهراً. اليوم، ورغم ان الحزب المسيحي ما زال ينظر إلى كثير من القضايا من منظور محافظ وأكثر تقليدية، لكن مسألة الدين عنده محسومة: الدين منفصل عن الدولة. انظر كم أخذ من الزمن. فحتى العام 1970م كان هذا الحزب وغيره يتخذ من بقاء المرأة في البيت مبرراً لعدم إعطائها حق التصويت. هذا في سويسرا حيث لم تعط المرأة حق التصويت إلا في العام 1970. وحتى العام 1980 كان قانون العائلة في سويسرا يعطي للرجل الحق في تحديد المكان الذي تعيش فيه زوجته. الرجل صاحب الأمر.> طبيعة التكوين الثقافي والاجتماعي لمثل هذه الاحزاب الدينية تفترض ذلك وهي في نهاية المطاف مصيرها ان تنمو وتتطور. لكن ما يثير الانتباه هو أن يكون هناك حزب تقدمي ثم يتراجع عما كان عليه.- هنا يأتي دور الصحافة، والتقييم الذاتي من داخل الاحزاب نفسها، لمناقشة الاخطاء التي وقع فيها الحزب، وما هي الخطوط الحمر التي لا يمكنه تجاوزها. لكل حزب الحرية في أن يتحالف مع من يشاء. لكن لديك مواقف مبدئية مثل الموقف تجاه المرأة. مثلاً: الحزب الاشتراكي لديه في هذا الجانب موقف معروف. لكن الموقف المبدئي بصفة عامة لا ينبغي تجاوزه أو التنازل عنه من أجل أن نحصل على مكسب مرتبط بالسلطة أو للحصول على مواقع قوة في السلطة. اعتقد ان صوت الصحافة والمراجعة الذاتية هامة حتى يمكن لهذه التجربة ان تتبلور. من كان يصدق أن تجمع الاصلاح والحزب الاشتراكي يجتمعان مع بعض، هل نسيت عملية التكفير التي حدثت من قبل؟

*هناك مصالح سياسية تحكم ذلك، هذا أمر بديهي، فمن الطبيعي أن تلجأ الأحزاب التي في المعارضة إلى مثل هذه التحالفات. لكن ما هو غير مفهوم أن تتخلى أحزاب ذات نزعة علمانية أو يسارية عن بعد أو جانب هو من طبيعة خصيصتها.. ما هو تفسيرك لمثل هكذا تراجعات تشمل الحقوق السياسية للمرأة وعملها سواء في القضاء أم في غيره، بل إن ما أطلقت عليه أنت مسمى «الهلامية» صار يغشى جميع الاحزاب تقريباً ويصل إلى تراجعات مجتمعية على ما هو عليه انتشار الحجاب في محافظات جنوبية لم تكن تعرف ذلك؟

- (تضحك).. كان هناك مد ديني اسلامي سياسي، مثل هذا التوصيف مهم فنحن لا نتحدث عن الدين، هناك اسلام وهناك صور وقراءات متعددة له. إذا ما نظرنا مثلاً إلى ما كانت عليه حال الممارسة الدينية في مصر في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي للحظنا أنها كانت تعكس الوجه الليبرالي الذي كان قائماً آنذاك. الدين يعكس روح المجتمع بوجه أو بآخر. ما حدث منذ سبعينيات القرن الماضي في إطار المنافسة بين مصر والمملكة العربية السعودية، بين مد قومي ناصري ومد سعودي محافظ، أدى إلى بروز ما يسمى بتيار الاسلام السياسي. كل هذا حدث طبعاً ضمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. هذا المد الديني الاسلامي الذي نشرته المملكة العربية السعودية بقدر كبير من الحماس والتمويل والدعم والتغطية الإعلامية والذي وفرت له الولايات المتحدة غطاء في سياق حربها، آنذاك، ضد الاتحاد السوفييتي، باعتبار ان الدين سيواجه الفكر الشيوعي الاشتراكي الملحد، على حد اعتقادها، كل ذلك ترك بصماته على مجتمعاتنا العربية كافة. لو كنت في المغرب خلال السبعينيات وشاهدتها اليوم ستندهش، وذلك أيضاً في مصر. النقاب، الحجاب، كل هذه الصور اصبحت بارزة للعيان. وكذا اسلوب الخطاب: لم يعد الاسلام ذلك المتعدد والثري بل صار محصوراً بلون واحد سلفي قائم على التكفير.اليمن لم تكن بطبيعة الحال بعيدة عن كل ذلك، حيث كان اليمن مسرحاً لهذا النفوذ والتغلغل الوهابي سواء بدعم مباشر من قبل المملكة العربية السعودية إما من طريق التعليم والمناهج والمعاهد العلمية، هكذا سموها وهي في الحقيقة معاهد دينية، وإما من حيث من طردوا خلال حرب الخليج والذين يقدرون، على تفاوت الاحصاءات، بنحو المليون. مليون شخص عاد بثقافة وبيئة وفكر ترعرع عليه وتشربه في مجتمع سلفي مختلف ثم جلبه إلى المجتمع اليمني. تجد ذلك اليوم في عدن.كيف كانت عدن قبيل الوحدة؟ وكيف كانت الألوان في عدن قبيل الوحدة؟ وكيف اصبحت اليوم؟ الأسود أصبح هو الطاغي. هذا الأمر اكتسح الشمال والجنوب على حد سواء. المرأة التي كانت تخرج بالثوب الملون، بات الأسود يحتل كل تفاصيلها بشكل لا يسمح بتبيان أي جزء منها. الفكر، أي فكر، يستهدف أول من يستهدف المرأة، هذا ما نلمس نتائجه اليوم على الشارع وغيره. طفلة لا تتجاوز السنوات الست تجدها مغطاة بالسواد والحجاب. واقع كهذا سحب نفسه على الانتخابات وعلى المستوى السياسي. هناك خطأ قاتل تقع فيه السلطة اليوم. إنها لكي تضرب الاصلاح، تتجه إلى شيوخ السلفية وتدعمهم. اعتقاداً منها أنها بذلك ستضرب الاصلاح لكنها في الحقيقة تضرب مجتمعها في الصميم. مثل هذه السياسة سترتد علىالسلطة ذاتها. هذه المسألة معروفة رأيناها في مصر مع أنور السادات ونراها في أكثر من نموذج. التجربة تفيد بأن من تتحالف معه سيرتد عليك، لأن لديه مصلحة، لديه فكراً ورؤية. معروف على السلطة اليمنية اعتمادها سياسة البقاء. بالنسبة لها سياسة البقاء في السلطة هامة. تفعل ذلك بأسلوب هلامي إنتهازي. إنتهازي بمعنى أنه ما دام هناك مصلحة سأسعى إليها بأي من الطرق والوسائل بصورة ماكيافيلية أو سمها ما تشاء. نتائج ما تفعل نجدها على صورة الشيخ الذي أفتى بعدم جواز التصويت لغير المرشح علي عبدالله صالح. إنه شيخ من شيوخ السلفية.خطاب شيوخ السلفية يقول إن الديمقراطية كفر وإلحاد. هذه لعبة خطرة ويجب التنبية إليها. إنها لا تضرب الاصلاح بل تضرب المجتمع.

* مثل هكذا تناقض حاصل، يأخذنا إلى ما نسب إلى الشيخ عبدالله الأحمر زعيم تجمع الاصلاح من تصريحات تفيد أن علي عبدالله صالح مرشحه للرئاسة.

- (مقاطعة).. لكن شوف عائلة الشيخ الأحمر لم تفعل ذلك هي أمسكت بالعصا من منتصفها. الشيخ عبدالله الاحمر يقول ان مرشحه علي عبدالله صالح ونجله حميد الاحمر يعمل على دعم وتمويل بن شملان.> أنا لا أتحدث عن أُسر بل عن زعامات. عبدالله الأحمر هو زعيم حزب تجمع الاصلاح المعارض، كيف يفهم مثل هذا؟- هي هي لعبة البقاء. لو كان كل هذا يوجه لصالح اليمن لقلت لك ما فيش مشكلة.> لكن مثل هذا لا يصب في مصلحة اليمن ولا في مصلحة التطور الديمقراطي.- هنا المشكلة. لكن لا ينبغي دعم القوى السلفية التي تعرف أنها تقف والديمقراطية على النقيض، هي وحقوق الانسان، ولا أقول المرأة ككائن له الحق في التفكير له إرادة.. قوى السلفية تقف وهذه الارادة والحرية وحقوق الانسان على طرفي نقيض. من الخطأ دعم مثل هذه القوى.خلال زيارتي لليمن ذهلت، حيثما ذهبت إلى مكتبة أو غيرها ألقى منشوراتهم. أنا لا أدعو إلى منع كتب القوى السلفية. لكنني ادعو إلى تشكيل خطاب مواز. حيث لا تترك لهم الساحة هكذا. من يتحدث اليوم يجابه بالتكفير.

* معنى ذلك أن السلطة تحولت من دعم الجماعات الوهابية إلى دعم القوى السلفية.. أي أن لعبة توظيف الدين ما زالت قائمة؟

-نعم، لعبة توظيف الدين لعبة دائمة. نحن جنينا على هذا الدين بتسييسه. انظر مثلاً إلى تجربة الحزب الاشتراكي ما قبل الوحدة ستجد انهم عندما لم يتمكنوا من القضاء على الدين بالصورة التي رأتها أدبياتهم، ماذا فعلوا؟ حولوا إلى دين اشتراكي من خلال توظيف الدين باعتباره ديناً اسلامياً يحث على العدالة وتوزيع الثروة.> حدث هذا على صعيد المنطقة العربية برمتها في ما عرف باليسار الاسلامي.- أنا درست ذلك في رسالتي لنيل الدكتوراه. حيث تجد أن الخطاب المستخدم انطوى على توظيف سياسي للدين. كافة الانظمة العربية وظفت الدين بصورة او بأخرى بغرض إدامة مصالحها. إلا أنها حين فعلت ذلك جنت على الدين.الدين هو علاقة بين المرء وربه. ويتوجب إخراجه من السياسة لأنه لا مستقبل لمجتمعاتنا العربية دون ان نفصل بين الدين والسياسة، بدون العلمانية، والعلمانية لا تعني القضاء على الدين، بل احترامه وتركه في حيزه الروحاني. دون الوصول إلى مثل هذا الفصل بين الدين والدولة لا يمكن احراز تقدم. كافة الدول التي عمدت إلى الفصل بين الدين والدولة مثل تركيا حققت تقدماً ملحوظاً نشهده اليوم. في المقابل انظر ما نحن عليه.> مجتمع تقليدي مثل اليمن برأيك إلى أي مدى يتجه أو يتوفر علىالحد الأدنى من امكانات العلمنة؟- السؤال مرتبط أساساً بـ«لم لا يتقبلها؟!» لقد تقبلها في جنوب اليمن، ومارسها. وكذا في تونس، وفي تركيا. هذا لا يقضي على الدين إطلاقاً. المسألة متعلقة بالمصطلحات. إذ أن الكلمات المستخدمة تستخدم بمعان مختلفة. حينما اشتغل الاسلام السياسي بشكل حثيث منظم متواصل ومنهجي، اشتغل على المصطلحات. وأول ما بدأ، بدأ بالمصطلحات المتعلقة بالعلمانية والحرية والمرأة.. الخ. وعندما تحدث عن العلمانية تحدث عنها باعتبارها شراً مستطيراً.انا علمانية، لا أنكر ذلك، بل بالعكس أنا فخورة وسعيدة. عندما أقول مثل ذلك سوف أقابل على ضوء مثل هذا التوجه باعتباري ملحدة. وهذه مشكلة التوظيف للمصطلحات. فاذا ما أردنا ان نخرج هذا المجتمع من الحالة التي هو عليها فيجب ان نبدأ نشتغل بشكل منهجي منظم. نشتغل على المصطلحات ونبدأ أول ما نبدأ بالمناهج التعليمية. ذلك ان المناهج السائدة لا تربي على التفكير. المجتمع اليمني وكل المجتمعات قابلة للتغيير. ليس لدينا مناعة ضد التطور. لنترك لليمن الفرصة وسنشاهد كيف يتطور. الانسان انسان في كل مكان. المسألة هي كيف نخلقه. اعتقد أن مجتمعاتنا قادرة على النهوض.

* لا شك في أن كل الجماعات البشرية لديها هذا الاستعداد لكن ما قصدت إليه هو إلى أي مدى يسهم النظام السياسي الاجتماعي والوعي العام في اليمن في ذلك، العلمانية لا تهبط من السماء بل تحتاج إلى دفع وتحفيز على مختلف البنيات لا سيما وان العلمنة هي المدماك والمرادف للديمقراطية؟


- ما لدينا الآن لا يسمح. لسبب واحد هو غياب الرؤية. إذا لديك قيادة تملك رؤية واضحة فإنها ستقدر على تحقيق التغيير. كل المجتمعات التي تغيرت كان لديها قيادة مؤمنة بالتغيير ولديها رؤية واضحة عملت من اجلها. بامكانيات اليمن المتواجدة يمكن احداث تغيير خلال عشرين عاماً. فقط إشتغل على الأجيال برؤية واضحة وشفافية. مشكلتنا في اليمن مركبة اساسها الفساد. والفساد لا يسمح برؤية واضحة. الفساد معناه غلبة المصالح على الرؤية الواضحة.الآن هناك قرارات يجب أن تؤخذ. والقرارات الصعبة لا يتخذها إلا من يؤمن بها. حتى الآن نحن لا نحوز على هذا. أنا مؤمنة بقدرتنا على الحلم وأن يترجم هذا الحلم على أرض الواقع. والسؤال هو: أين الرؤية؟أنا مش شايفة رؤية إلى يومنا هذا. قارن بين ما هي عليه سلطنة عمان اليوم وما نحن عليه. يعني ذلك أنه لا توجد إرادة سياسية.- سلطنة عمان كانت عايشة في القرون الوسطى. انظر أين هي اليوم. شوف البنك الدولي في أي مصاف وضعها.. في الدول المتوسطة وبعدما كانت ضمن أكثر الدول فقراً وتخلفاً. كانت هناك رؤية واضحة ومرحلية. ورغم أن التجربة العمانية يصعب وصفها بالديمقراطية لأن السلطان قابوس ما زال مهيمناً كأب؛ إلا أن هناك مراحل ورؤية توجهان المجتمع العماني نحو وجهة محددة. مثل هذه الرؤية ليست لدينا.نحن نسير من سيء إلى أسوأ. رغم وجود ما يمكن ملاحظته على البنية التحتية مثل ازدهار المجتمع المدني، وحرية صحافة تحسدنا عليها دول الخليج. عدا ذلك لا يوجد. الفقر ينتشر، 42٪ من السكان في اليمن يعيشون تحت خط الفقر. ما يقارب نصف المجتمع. ثم تريدنا أن نتحدث عن العلمانية.

*لكن وبالنظر إلى أهمية الارادة السياسية تجربة الجنوب على ما ذكرت أنت اجترحت شوطاً صوب العلمانية رغم انتشار الفقر؟

- صحيح لكنها تجربة استبدادية..أين مكمن الأزمة إذاً؟ هل في طبيعة الجمهورية أم في المجتمع أم في هيمنة العسكر والقبيلة على ما يرى البعض؟- ليس ذلك فقط.. القبيلة اليوم هي أساس الوحدة الاجتماعية، هي الأساس في ما يتعلق بالمناطق، فمن هو المهيمن هنا: هل القبيلة أم غياب الدولة؟من الناحية السياسية هناك محور وهناك اطراف المحور، والمركز هو الأساس. في هذا المركز هناك مراكز قوى، الرجال الاقوياء. لم تعد القبيلة -كقبيلة- مهيمنة. أنت لديك رجال اقوياء: الشيخ الأحمر رجل قوي، مركز قوي، صحيح أنه يمثل القبيلة لكنه منسلخ. هو وغيره من مراكز القوى مرتبطون بنواة السلطة. هؤلاء هم من يحكمون. والسائد ضمن مراكز القوى هو سياسة البقاء. ومعناها: أنا سأتخذ كل ما يلزم حتى أبقى في السلطة. هذا يعني أنني اسيطر على الاجهزة الأمنية العسكرية المخابراتية. أطعّمها واجعل رؤوسها موالين لي جميعهم: صاحب القرابة أو المنتمي للقبيلة وصاحب الولاء الحزبي. إذ تجد أن كل المسيطرين على الاجهزة الأمنية و غيرها مرتبطون بالولاء للرئيس. تضيف إلى ذلك تحييد القوى الوطنية. لديك هنا عنصران: السيطرة على الاجهزة الامنية العسكرية المخابراتية، ثم هناك تحييد المعارض بشرائه أو اخفاء صوته، إما من طريق الرشوة أو من طريق تقديم وظيفة كبيرة أو تعيينه في مجلس. سياسة التحييد هذه ظلت منذ الثمانينيات تسير على قدم وساق، لكنها برزت بكثرة بعد تحقيق الوحدة. التحييد والادماج لازمة من لوازم سياسة البقاء. كل هذا يتم من أجل إدامة البقاء في السلطة. والمشكلة أن ذلك يتناقض جوهراً مع مصلحة الوطن. فما دُمت تسخر موارد الدولة للتحييد والولاء فإنك لن تستطيع ان توجهها بالفعل نحو قنواتها الاساسية. وفي ظل استخدام مثل هذه الأساليب يصبح الفساد كينونة الدولة وماهيتها بحيث يتعذر القضاء عليه. مشكلتنا مركبة. رغم ذلك أظل أقول: إذا ما كان لديك رؤية اشتغل عليها. بامتلاك الرؤية والاشتغال عليها يمكن التغلب على هكذا وضع.

*طالما وأن القوى النافذة بهذا الحجم وهذا التأثير، كيف يمكن اذاً تحقيق التغيير؟- هذا صعب جداً. مادام التحليل بهذه الصورة قل لي انت كيف.> معنى ذلك ان لا مستقبل للديمقراطية في اليمن؟

- لا.. أنا بطبيعتي متفائلة.

* على أي أساس يقوم تفاؤلك؟

- لأني مؤمنة بالإنسان اليمني. سأظل أؤمن بالانسان وأننا قادرون، إذا أردنا. مشكلتنا أننا عندما نتكلم، نتكلم ورؤيتنا متجهة نحو اللي فوق. لم لا ننظر إلى تحت؟ ليه ما نبصش للي تحت؟


* وما له!! نبص للي تحت.. هل ذلك يعني أن هنالك إمكانيات شعبية للتغيير؟

- الامكانيات الشعبية موجودة. لذلك أقول أن هناك فرصة في اللقاء المشترك أتمنى أن يتم استغلالها. فمتى ما خلقت معارضة ستحصل على تنازلات. والمهم كيف يمكن أن تجيِّر هذه القوى لصالح هذا الوطن بدون تنازل عن المبادئ. جميعنا قوى وطنية بصرف النظر عن الانتماء الفكري. ما يتمناه المرء هو أن يكون الوطن هو هدفنا جميعاً.

* صورة المعارضة لدى كثيرين هي معارضة هشة تعكس ما عليه المجتمع من هشاشة وتشرذم, إلى أي مدى يصح الرهان على المعارضة؟

أنا أراهن على الانسان. نحن في أزمة, هذا صحيح. وصحيح أيضاً أن المسألة معقدة و لا تبعث على الأمل, لكن ما حدث مع تأسيس اللقاء المشترك سأظل اعتبره خطوة ايجابية.ردة فعل السلطة تظهر بأن ما حدث كان حراكاً, خطوة إلى الأمام لا ينبغي أن ننظر إليها بأنها مظلمة أو سلبية. *هناك من يرى أن الفاعلية ما زالت للقوى التقليدية، وأن الغد هو لجيل جديد من القوى التقليدية، وأن ما يجري من تباين ما بين السلطة والمعارضة يجري ضمن بنية تقليدية واحدة: علي عبدالله صالح يريد توريث الحكم لنجله من باب السلطة، والشيخ الأحمر يريد توريث نجله من باب المعارضة؟-
صحيح ما فيش فائدة.. «غطيني ياصفية!» لكنني أعود وأقول إنه إذا ما آمنت بالإنسان واشتغلت، ذلك وبحكم عادتي في النظر إلى ما يحدث من منظور تاريخي، فإن من غير المحتمل أن لا نشهد نحن أو أولادنا التغيير المنشود. لكن الأمل ربما بقي في الأحفاد.المنطلق هو: كيف نخلق هذه الأجيال؟ مثلاً حين تلاحظ الأجيال التي أنتجتها المعاهد الدينية ستجد أننا ما زلنا نعاني اليوم من أثرها. فلمَ لا نشتغل على هذه الأجيال طبقاً لمناهج علمية وذات هدف؟ لاحظ ما هي عليه مناهج التعليم وبالذات المرتبطة بالدين ستجد أي دين الذي تخلقه في أذهان الناشئة وأي فكر تحشوهم به، والطريقة التي تعلمهم بها التفكير. إنه تعليم يكرس السمع والطاعة. والأمل قائم على الاشتغال على الأجيال. وطالما بقينا على ما نحن عليه: حالنا الهلامي والفوضوي، فلن نصل إلى الهدف.أنا معك أنه ما فيش فائدة إلا أنني أظل أقول بأن ثمة أمل في الاشتغال على الأجيال.> من الذي سيشتغل على هذا؟- المجتمع المدني والأحزاب وعندك السلطة أيضاً فلا ينبغي أن نفقد الأمل إلى هذا الحد. نتمنى أن الكل يشتغل، افراداً وجماعات بحيث يمكن تشكيل عملية ضغط، المهم أن يكون هناك تحديد أهداف واضحة. هل المعارضة تريد الوصول إلى السلطة؟ تريد الوصول للسلطة لتكون فقط في السلطة تحشو جيوبها أم تريد أن تغير؟ وماذا تغير؟ وما دمنا نريد أن نغير ونعرف ماذا نغير فلنبدأ بتشكيل قوة ضغط بشكل ممنهج. ليس الأحزاب وحدها فالمجتمع المدني يلعب دوراً كبيراً. منظمات المجتمع المدني في اليمن باتت شعلة. ما مدى تأثيرها؟ هنا السؤال.> وماذا بشأن التعويل على المطلب الدولي في اجراء اصلاحات في المنطقة؟- أنا مقتنعة أن هناك رغبة دولية فعلاً في الاصلاحات، رغم أن الولايات المتحدة باتت مدركة أنها وضعت نفسها في مأزق؛ ما حدث يوم 11 سبتمبر 2001م كان لحظة مفصلية. قد تصادف الكثير من نظريات المؤامرة لكن ما حدث كان فعلاً صدمة جعل الولايات المتحدة تستفيق. عد إلى خطابات بوش بعد الحدث. في احدها يقول: «لقد دأبنا على دعم الديكتاتورية، لن نفعل هذا بعد اليوم». لكن المأزق الأمريكي وحاجة الادارة الامريكية إلى شركاء في مكافحة الارهاب يبقيها على صلة بهذه الانظمة. عندما دخل الامريكان العراق لم يكن لديهم رؤية أو خطة لما بعد الحرب فكانت هذه المأساة التي نراها وعليهم أن يتحملوا مسؤوليتها وأن يقفوا أمام المساءلة. بسبب هذه التعقيدات التي اعترضتهم لم يصلوا بالدفع نحو الاصلاحات إلى مداه. لقد باتوا كالواقف بين نارين. رغم ذلك ستجد هناك نوعاً من الضغوط تحدث خلف الكواليس وأعتبرها شيئاً ايجابياً. لكنني أعود وأقول: لا ينبغي أن نتوقع من الأجنبي أن يدعم قضايانا. ولنا أن ننظر في هذا إلى ما يحصل في العراق: عند دخول العراق توقعنا التغيير لكنه لم يحدث بل حصلت الكارثة. ليس هناك من يفكر بمصحلتنا، أو يدافع عنها سوانا.> ثمة من يرى أن ما يجري في العراق هو اقتتال داخلي كان سيحدث بقي الاحتلال أو انتهى؟- ما لم يتوقعه أي من المراقبين هو أن تدخل الولايات المتحدة العراق دون خطة لما بعد الحرب. ديك تشيني قالها بأنهم سوف يُستقبلون بالزهور والورود. هذا التوقع كان ساذجاً لأن هناك ما أسميته «أعراض الحالة الضاغطة» في العراق: مجتمع متعدد كانت الأقلية فيه هي التي تحكم بالحديد والنار وباللعب بالتناقضات القائمة فيه وعلى حساب تلك الأقليات المتواجدة فيه سواء من الأكراد أو من الشيعة. التناحرات موجودة أساساً. الولايات المتحدة لم تخلق هذه التناقضات والخلافات؛ هي كانت موجودة لكن كان مُتَكَتَّماً عليها، الحالة الضاغطة، البلد كانت موضوعة على نار حامية وهي مقفلة ظلت تتفاعل وتضغط، ما كان ينبغي أن تفتحها هكذا حتى تنفجر في وجهك. الخطأ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة بعد الاحتلال هو حل الجيش. حتى في ألمانيا النازية لم يحل الجيش. أنت عندك دولة مترامية الأطراف يتوجب عليك حكمها لا أن تحل الجيش ليتحول إلى عدو لك. ما كان من المتوقع أن تدخل الولايات المتحدة من دون أن تدرك أبعاد هذا المجتمع. لقد كان محتماً أن تصل الحالة العراقية إلى هذه الدرجة طالما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لتلافيها. بالفعل ما يحدث الآن هو حرب أهلية لكنني لم أفقد الأمل بعد فيما يتعلق بالعراق. سمني إن شئت مجنونة. فما زالت هناك أشياء كثيرة تحدث على أرض الواقع من قبيل منحى التقاربات وطرح المصالحة الوطنية. مثل هذه المحاولات قد تثمر وربما يأتي اليوم الذي يتعب فيه العراقيون من قتل بعضهم بعضا.> هذه التجربة الصادمة للولايات المتحدة في العراق هل يمكن أن تحد من ضغوط الادارة الامريكية بشأن إحلال الديمقراطية في المنطقة..؟- السؤال هو: هل الديمقراطية تظل بالفعل محور أساس للسياسة الخارجية الأمريكية؟ فربما أتى رئيس ديمقراطي ليعيد النظر في هذه السياسة. ما أعتقده هو أن الولايات المتحدة أدركت أن بقاء الحال على ما هي عليه ليس في صالحها. إنها بذلك تفرز اجيالاً غاضبة من هذا الوضع القائم، غاضبة من النظام السلطوي، من الفقر ومن انعدام الثقة بالمستقبل. هذا الغضب يمكن أن يجري توجيهه من قبل الجماعات المتطرفة. إنظر إلى من يدعم الانظمة الحاكمة في المنطقة، المملكة العربية السعودية من الذي وفر لها الغطاء الأمني الذي يجري تحت مسمى التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية؟ الغضب إذن سيوجه لمن يقوم بمثل ذلك. أعتقد، وهذه قناعتي، وهي ترتبط بمادة درستها وهي الدمقرطة في الشرط الأوسط، هناك قناعة وتوجه لدى الولايات المتحدة بأن بقاء الأمر على ما هو عليه أمر غير مستحب. لكن السؤال هو: هل هذا التغيير سيتم عبر الشكل التصادمي الذي بدأه الرئيس بوش، أم سيتم بأسلوب تدريجي مفاده أن لا نعمل على زعزعة هذه الأنظمة؟ لأن زعزعة استقرارها يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة. لو نظرت إلى ما يمكن أن يحدث للملكة العربية السعودية، لو حدث وأن انفصمت الوحدة القائمة بين الأقاليم السعودية فسيكون هناك اقليم شرقي مستقل سيتحول تلقائياً مع إيران. وحينها سيكون هناك المثلث أو الهلال الشيعي الذي حذَّر منه ملك الأردن. وهذا أمر لن تغض الولايات المتحدة عنه الطرف. إليك التحليل الذي توصلت إليه ومفاده أن تتجه الولايات المتحدة في مثل هذه الحال إلى توفير ضغط ودعم للقوى الداعية للاصلاح وفي الوقت نفسه تدفع هذه الأنظمة إلى التغيير. لكن هذا نمط السلحفاة. لذا أقول: لا ينبغي أن تنتظر دعماً من الأجنبي! لا تتوقع أن يأتي الآخر ليتبنى قضاياك! إبحث عنها في ذاتك. المشكلة الأساسية هي أنه إذا كانت الولايات المتحدة تتصور أنها بدعم مجموعات هلامية صغيرة لها ستحدث تغييراً فإن من الاستحالة حدوث هذا التغيير.التغيير الفعلي لا يحدث إلا إذا نبع من الداخل لا أن يفرض من الخارج. الغضب الذي نوجهه نحو الولايات المتحدة يفترض أن نوجهه نحو حكامنا لا نفجرهم بل نقاوم مقاومة سلمية وندعو إلى التغيير. التغييرات التي حدثت في امريكا اللاتينية لم تأت بدعم من الخارج رغم أنها كانت تندرج ضمن اطار الحرب الباردة، مع ذلك أتى التغيير من الداخل.> لا يبدو أن مطلب الديمقراطية يتعلق بطبيعة الادارة الأمريكية أكانت جمهورية أم ديمقراطية بل هو شرط مرتبط بطبيعة انتشار السوق الرأسمالية منذ انتفاء احد المعسكرين وسواء وقعت احداث 11 سبتمبر أم لم تقع..؟- 11 سبتمبر كانت جوهرية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية.> لكنها أيضاً أفضت إلى نكسة للحريات الديمقراطية؟- صحيح. ومن هنا انعدام المصداقية. الولايات المتحدة التي تُحدثنا اليوم عن الحقوق والحريات نرى في الوقت ذاته ما تفعله مثلاً في السجون غير القانونية حيث تعتبر نفسها فوق القانون وكذلك بالنسبة لما يحدث على صعيد الحريات. لهذا لا ينبغي أن نعوِّل على الولايات المتحدة. لقد دأبنا على تحميل الآخر نكساتنا.. الغرب والاستعمار وغيرها من الشعارات الهاذية بأن الغرب يريد أن يقضي علينا وعلى ثقافتنا في الوقت الذي لا نعمل نحن لأنفسنا شيئاً.> لكننا نعلم أن الولايات المتحدة لا تزال فاعلة، أليست هي التي وقفت وراء تدعيم وانتشار الاسلام السياسي؟ فما زالت دول المركز هي اللاعب الأكبر في صوغ سياسات وتوجهات الدول الطرفية..؟- طيب وأين المشكلة؟!> المشكلة أن الرهان على الداخل وحده في إحداث تغيير قد لا يحظى بالنجاح في ظل وجود ممانعة خارجية. أليست الشعوب العربية في السعودية والخليج وغيرها هي التي ظلت لعقود لا تحرك ساكناً وبقيت الأنظمة على حالها؟ وما نشهده من حراك باتجاه تفعيل الشورى وطرح قضايا المرأة لم يكن ليحدث لو لم تكن هناك ضغوط خارجية على هذه الأنظمة..؟- هل هذه الشعوب طالبت بالتغيير؟! ما أود قوله أن الضغوط ما دامت لصالح حقوق الانسان والمرأة فلمَ لا نجيِّرها لصالحنا مادامت موجودة؟! الوقت مواتٍ لمثل هذه الاصلاحات. هناك رغبة دولية في إحداثها. لكن لا ينبغي أن تتشاءم أو أن تقول لي: ما فيش أمل في التغيير إلا من خلال دعم خارجي. الوقت مواتٍ للتغيير. دولة عظمى أو غير عظمى.. إذا ما كان هناك شعب أراد فلا بد أن تحترم إرادة هذا الشعب. السؤال هو: ماذا تريد أن تغير؟ هل تريد تحويلها إلى دولة إسلامية!؟ فتلك مصيبة. مع احترامي فإن فكر الاسلام السياسي الوهابي كما يطرح اليوم في الساحة هو فكر لا يؤمن بالانسان باعتباره انساناً. إنه فكر جوهره فاشي. ببساطة استبدادي. أعود وأؤكد أنني لا أتحدث هنا عن الدين حتى لا يخرج الحديث عن سياقه.اليمن بلدي، وما أتمنى لها هو أن يصبح الانسان كائناً له احترامه، بحيث لا أجد الفقراء مرميين في أروقة مستشفى الثورة وغيره بينما من لديه واسطة أو فلوس يحصل على الاستشارة، فيما يرمى بالفقراء في الأروقة.. لم أنس منظراً، شاهدته العام 1993م إذ كنت برفقة والدي: كان رجلٌ مسكين يدور بطفلة وهو يصرخ: «والله لو كنت كافر!! منذ أمس وأنا هنا!!» والبنت بدا شكلها وكأنها تحتضر. مثل هكذا مجتمع يفرز مثل هذه التناقضات لا يستحق البقاء. إنه مجتمع ظالم غير عادل. ما أتمناه هو أن يحصل الانسان في هذا المجتمع على القوت والمسكن؛ لكن يجد فيه أيضاً الارادة. إذا أردت أن تعمل ستجد. لا ينبغي أن تفهمني غلط! أنا هنا لا أدعو إلى النظام الاشتراكي. ما ادعو إليه هو أن يكون هناك مجتمع يتوفر على كرامة مواطنيه. هل سويسرا أفضل منا سوى بالعمل الدؤوب وأنهم يبنون حياتهم وعملهم على الجدية!!؟ عادة ما أصادف الرئيس الفيدارلي راكباً بجانبي على «الترام» لا حواليه موكب ولا ألف حارس، راكباً وسط العاصمة برن مثله مثل أي مواطن يتمشى. عندما تجد مجتمع على هذه الحال فاعلم انهم يعملون صح.. الانسان هو الانسان في كل مكان. لاحظ اليمني حينما يغادر بلده كيف تفتح له الفرص عكس ما هو عليه في الداخل.> باعتقادي أن الأمر يتعلق بمساق تاريخي..؟- هي مسألة تطور، فقط نؤمن أن مصيرنا بيدنا. ليس هناك قدر، نحن الذين نختار مصيرنا.> ما يلاحظ وبدأ يبرز مؤخراً هذا الانبثاق والانتعاش للعرقية والعصبية و الطائفية والتمذهب، نشاهد هذا في العراق والسعودية وغيرها كما برز في ما شهدته هنا صعدة.. ألا يشكل ذلك عائقاً أمام التوجهات نحو الدمقرطة؟- هذه التناقضات تظهر في أوقات الأزمات وفي اوقات الفقر واللحظات الصعبة! ما حدث مع الحوثي؟ تعلم أساساً أن السلطة لعبت دوراً في دعم حركة الحوثي بهدف أن تضرب أحزاباً دينية. هي لعبة، لكن نتائجها كانت وخيمة. لكن ليس من الأفضل أن ننظر إليها من منظور ديني، علينا أيضاً أن ننظر إلى الوضع الاقتصادي وسنجد أن هذه المطالب كانت تأخذ صورة دينية لكنها تعبر عن مطالب اجتماعية، تدافع عن مصالح، تريد أن تحصل على مكانة. ما حدث في العراق هي الحالة الضاغطة فُتحت قبل أوانها فانفجرت في الوجه. ولا تتوقع سوى انها تنفجر. وعلى هذا يجب مساءلة الولايات المتحدة عما حدث ويحدث. أليس هناك خبراء مجتمعات في ما يمكن أن تسفر عنه التناقضات!؟ السعودية واحدة من المجتمعات التي تحمل تناقضات كثيرة. هي لم تتخذ الأساليب الصدامية في القمع لكن الوهابية في اجهزة الأمن السعودي تمارس نفس الأسلوب، وهو قمع الهوية: الهوية الشيعية، الهوية الاسماعيلية، الحجازية، الصوفية، و الشافعية. هذه الهويات تواجه بالقمع. وهؤلاء ليسو صامتين، بل إنهم في حراك تجد ذلك على مواقع الانترنت وتجده في اكثر من صورة. ما يخفف من وطأة هذه التناقضات حالياً هو ارتفاع سعر البترول وهذا لحسن الحظ. ذلك أن السعودية منذ أواخر الثمانينيات ونهاية التسعينيات كانت تواجه إمكانية الانهيار لأن أساسها قائم على مبدأ غير صحيح. توحيد السعودية قائم على مبدأ: مذهبي هو الأصح. تتذكر ماذا حصل مع الملك ابن عبدالعزيز عندما استولوا على المناطق الشرقية وما الذي كان الوهابيون يريدون فعله. مذابح حصلت وهذه الاشياء لم تنس مازالت محفوظة في الذاكرة وتجدها الآن في القراءة التي يعمد إليها الكثير من البحاثة من السعوديين الشيعيين. إذ يعيدون قراءة التاريخ وفقاً لمنظورهم. مي يماني تعيد قراءة التاريخ من المنظور الحجازي. هذه عبارة عن صرخات استغاثة تظهر من حين إلى آخر. لكن النفط هو الذي يحول وبروزها بشدة.إذا لم تنتهز المملكة العربية السعودية الفرصة المتاحة لها حالياً من خلال هذا الفائض من النفط، بحيث تعيد تشكيل المجتمع بالشكل الذي يمكنه أن يعترف بالتناقضات الموجودة ويعود المذهب الوهابي إلى موقعه باعتباره مذهباً من بين مذاهب عديدة، وليس المهيمن؛ إذا لم تنتهز السعودية هذه الفرصة فما أن ينفد النفط فإن التناقضات ستطفو من جديد.> ازاء هكذا تناقضات على صعيدكل بلد، برأيك إلى أي مدى يمكن أن تنجح تجربة التكتلات الإقليمية مثال مجلس التعاون الخليجي وعلى ضوء مسعى اليمن للانضمام إلى هذا المجلس؟- مجلس التعاون الخليجي أُنشئ بهدف سياسي وقرار امريكي سعودي. ما نجح فيه المجلس ليس سياسياً ولا عسكرياً. بل نجح في التعاون الاقتصادي التجاري مثله في ذلك مثل الجامعة العربية والأمم المتحدة. انتظار اليمن للانضمام إلى المجلس مرهون برضا المملكة العربية السعودية. لكن اقصاء اليمن من مجلس التعاون الخليجي ليس من مصلحة دوله، لأن الخليجيين لا يريدون منطقة متوترة على حدودهم. الدعوات الخليجية المتكررة حول تهيئة اليمن شيء جيد؛ لأن عملية التهيئة هي أمر ايجابي لاحظنا ذلك على عمليات تهيئة الدول التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي؛ إذ وضع الاتحاد الأوروبي عدداً من الشروط وهو ما اضطر الدول الراغبة في الانضمام إليه للالتزام بهذه الشروط. ما أتمناه أن يلعب مجلس التعاون نفس الدور الذي لعبه الاتحاد الأوروبي مع الدول الأخرى من حيث تأهيله اقتصادياً للدول التي انضمت إليه.المشكلة ان مسألة انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي مسألة مُسيَّسة مرهونة برضا الاخت الكبرى: السعودية.> لكن إدماج اليمن في المجلس ربما كانت رغبة أمريكية!؟- أحداث 11 سبتمبر الارهابية بالفعل كانت مأساوية رغم ذلك كانت لها فوائد خاصة فيما يتعلق باليمن. فمن ناحية اخذت السلطات اليمنية تنقلب على التيار الديني ومن ناحية سياسية اتخذت الحكومة اليمنية خطوات كان من المفترض أن تتخذها منذ زمن بعيد مثل فرض سيطرة الدولة على الأطراف. كانت الدولة دائماً غير متواجدة، وما زالت غير متواجدة لكنها بدأت تتخذ بعض الاجراءات التي من شأنها فرض هيمنة الدولة. من ناحية السياسة الخارجية ظلت اليمن مبعدة عن الولايات المتحدة بحكم الضغط السعودي. العلاقات اليمنية الأمريكية كانت تمر عبر القناة السعودية، وبشروط سعودية. بعد حرب الخليج الثانية وموقف اليمن من الحرب المؤيد للعراق خسر اليمن الكثير لكنه في المقابل لأول مرة يجد نفسه وحيداً، دون الأخت الكبرى. وأيضاً في مواجهة مع الولايات المتحدة، لكن سياسة البقاء التي تنتهجها السلطة الحاكمة في اليمن وجدت في الديمقراطية وسيلة لجلب الدعم الخارجي. حيث بدت انتخابات ابريل 1993م وكأن اليمن البلد الأكثر ديمقراطية في العالم العربي، ناهيك عن شبه الجزيرة العربية، ومع استعداد اليمن للمشاركة في الحرب الدولية ضد الارهاب اخذت عزلة اليمن تتقلص بحيث اصبحت العلاقات اليمنية الأمريكية لأول مرة مباشرة ولا تمر عبر قنوات الأخت الكبرى. كما باتت الولايات المتحدة تدرك طبيعة البيئة الاجتماعية في اليمن وهي بيئة ملائمة لتخليق متطرفين وارهابيين. فالفقر والأمية تربة خصبة لنمو وانتشار الخطابات المتطرفة.كما أدى دخول اليمن في علاقات مباشرة مع الولايات المتحدة إلى تقديم الولايات المتحدة الدعم لليمن وهو ما نأى باليمن من الضغوط التي كانت تمارسها المملكة العربية السعودية.دور السعودية في إضعاف الدولة في اليمن لا ينسى. منذ سبعينيات القرن الماضي ظل دور السعودية غير داعم لليمن كدولة بل كان مضعفاً للدولة في اليمن. نوع من علاقة الحب والكراهية كانت قائمة بين السعودية والنظام في شمال اليمن. كان الدعم السعودي لليمن الشمالي منصباً بهدف أن يواجه الشمال الجنوب لا أن تقف الدولة على رجليها. مطلب السعودية كان أن تبقى الدولة في شمال اليمن مخنية.> وهل تغير المطلب الآن؟- أعتقد. لكن هذا لا يعني أن المملكة العربية السعودية سوف تسعد برؤية اليمن كقوة إقليمية مزدهرة. هناك دائماً شكوك سعودية تجاه اليمن.> هناك من يقول بمخاوف سعودية من أن تكون اليمن معبراً للدمقرطة والتغيير في المجتمع السعودي..؟- كان هذا في البداية أما الآن فلم تعد اليمن هي الوحيدة، هناك البحرين والكويت وهذه اصبحت مسرحاً لحراك سياسي حقيقي بضم المرأة إلى العملية الانتخابية كمرشحة.لكن الشك تجاه اليمن قائم وسيظل كذلك لا سيما في ضوء الموقف الذي اتخذته اليمن من حرب الخليج الثانية والداعم للعراق. وهذا الموقف اليمني لم يأت من فراغ كان ردة فعل على السياسات السعودية التي كانت تتخذ ضده. العلاقات اليمنية السعودية حلقة مفرغة لا تحصد سوى الهواء. مع ذلك يمكن التغلب على كل هذا وامامنا في التاريخ الأوروبي العلاقات المتوترة التي كانت ما بين دوله لا سيما فرنسا وايطاليا والمانيا وبريطانيا إذ ظلت الحروب الناشبة هي القائمة بين هذه الدول لكنها تجاوزت تاريخها الدموي وصارت ما هي عليه اليوم.> لكن من الواضح أن ملف الأنظمة الداعمة لصدام حسين أغلق، نلاحظ ذلك من خلال الموقف الامريكي من اليمن كما استجدت معطيات جديدة على العلاقات اليمنية السعودية خصوصاً بعد اتفاقية جدة الحدودية، على ضوء هذا: هل هناك، في تقديريك، امكانات فعلية لانضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي؟- ممكن ذلك، لكن انتظار اليمن على باب مجلس التعاون الخليجي سيطول إلى أن تتأهل (تضحك).> حتى ولو كانت هناك رغبة أمريكية؟- (بانفعال) نحنا فاكرين أمريكا هي الله!!> لا، لكننا نعلم دورها الكبير والمؤثر..- (مقاطعة) شوف! شوف اللي عملته في دعمها لأيمن نور! شوف اللي عملته الولايات المتحدة لدعم هؤلاء وما فعلته السلطات المصرية. مصر سجنت أيمن نور خمس سنوات رغم أن وزيرة الخارجية الأمريكية ألغت لهذا السبب زيارة لها إلى مصر.مصر مدركة ببساطة أنها تظل حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية. منطقها تجاه الادارة الامريكية هو: افعلي ما شئت لكنك لن تستطيعي أن تغيري النظام فالبديل هم الاخوان المسلمون. والولايات المتحدة تعرف طبيعة الاخوان المسلمون وخطابهم بشأن الحرب على الارهاب المسألة في النهاية مصالح. والولايات المتحدة مهما كانت قوتها تظل محدودة. رأينا ذلك عند دخولها العراق فلم يتحالف معها سوى عدد من الدول الهامشية باستثناء استراليا وبريطانيا.> هل يعني ذلك أن الادارة الامريكية يمكن أن توافق بأن يبقى الحكم فردياً وأن يورث حسني مبارك الحكم لنجله جمال؟- حينما سئلت كونداليزا رايس حول توريث السلطة إلى جمال كان ردها: «هذا شأن داخلي». جمال مبارك ومجموعته هم من يشاركون في منتدى دافوس وهناك يلتقون قيادات دولية. ما قصدت إليه هو أن لا ننظر إلى الولايات المتحدة بصورة مثالية. نعلم المواقف التي اتخذتها السعودية بعد احداث 11 سبتمبر. صحيح أن السعودية اتخذت الكثير من المواقف الداعمة لحرب الولايات المتحدة ضد الارهاب لكنها مع ذلك لم تتحرك قيد أنملة في ما يتعلق بالحريات، عدا انتخابات البلديات. هناك حدود لما يمكن للولايات المتحدة أن تصنعه.. المهم نحن نتأهل واختنا الكبرى ترضى عنا (تضحك).> حتماً سترضى! ذلك أن طبيعة السوق الرأسمالية تفترض مثل هذه الاندماجات، مع السوق المعولمة، صار الاندماج متطلباً اقتصادياً..؟- ممكن أن تجير مثل هذا الاندماج لصالحك من عدمه. نعلم ما اتخذته الصين والهند في هذا الجانب: وظفوا الاندماج لصالحهما. والآن يجري الحديث عن القوة العظمى الصاعدة. ذلك ان العولمة سلاح ذو حدين. لقد جيرت الهند المتاح في هذه السوق فأصبحت الأولى في مجال تقافة الاتصالات. وكل بلد إما أن يستغل الفرص التي تفزرها السوق العولمية أو أن يغدو هو محل استغلال من قبل دولة أخرى. وهناك مساحة مشتركة للمصالح. المهم أن نستطيع الوقوف عليها ونستفيد منها.العولمة ليست سيئة ونتائجها يمكن أن تكون وخيمة إذا لم يجر التعامل معها بشكل جيد. النتائج تكون وخيمة خاصة على القوى المستضعفة في أي مجتمع. نحن لم نصل بعد إلى مستوى الاستفادة من ثمار العولمة. علينا أولاً أن نقف وننهض.> عودة إلى أحداث 11 سبتمبر، ما هي التأثيرات التي تركها الحدث على أوضاع العرب والمسلمين في الغرب، باعتبارك من حملة الجنسية المزدوجة؟- في سويسرا ربما كان التأثير الاساسي أنهم انتبهوا إلى أن هناك من يسمون مسلمين، وأن هؤلاء يعيشون بين ظهرانيهم. وبدأ الاهتمام ينصب على معرفة: من يكون هذا الآخر؟ وهل هو بهذه الخطورة بالفعل؟ ما الذي يدفع بهؤلاء إلى قتل أنفسهم.هناك في سويسرا وسائل إعلام متعددة. وهي تنطق بثلاث لغات:الألمانية، الفرنسية؟ والايطالية. في المناطق التي تتحدث الالمانية حيث اعيش هناك صحف صفراء اتخذت من قضية المسلمين وسيلة للكسب، من طريق اللعب على هاجس الخوف بتخليق صورة المسلمين على شكل «بُعْبُعْ» بالتركيز على المساوئ. وحدث أن مثل هذه الصحف كانت تتجه إلى مسلمين سياسيين وإلى أئمة مساجد معروفين بوهابيتهم، ثم يحدثونهم عن الشريعة والرجم فما يكون من هؤلاء الأئمة سوى الدفاع عن رجم الرجل والمرأة باعتباره جزءاً من الشريعة الاسلامية وهكذا كان يجري استغلال آراء هؤلاء لتشويه صورة المسلمين مع أن الرجم غير موجود في الشريعة.. مع ذلك كان هناك وسائل إعلام جادة، حيث كانت تقدم اصواتاً مختلفة ورؤى متعددة عن الاسلام. في الوقت نفسه حدث أيضاً حراك داخل الجاليات المسلمة، أنا شخصياً انخرطت ضمن مجموعة أسسنا منتدى من أجل إسلام تقدمي. كما بدأت تظهر ضمن الجالية الاسلامية اصوات متعددة، حيث اخذ يبرز التنوع. قبل ذلك كان هناك انفراد بالخطاب من قبل ممثلين لتيار اسلامي سياسي معين.الآن اصبحت الجالية مفتوحة الساحة على الجميع بحيث وجدت اصوات عديدة تبرز وتؤكد أن الهوية الإسلامية أكثر تعقيداً من حصرها في إطار أو صوت واحد.أنا عربية، الدين مهم بالنسبة لي من جانب روحاني. أنا إنسانة أولاً عربية ثانياً مسلمة ثالثاً. الخطاب بدأ يتغير بتغير وتعدد الأصوات. وفي الوقت نفسه اعداد المسلمين أخذت تتزايد. هناك نوع من الخوف سببه الصحافة الصفراء، وأيضاً التاريخ لا سيما ذلك المتعلق بلحظات التصادم بين العالمين. هناك غياب في معرفة الآخر لدى الجانبين.نحن هنا نتكلم عن الغرب مع أن الغرب متنوع. وفي المقابل كان الأوروبيون داعمين للبنان اثناء حرب اسرائيل عليه أكثر من دول عربية. مواقف سويسرا من حرب لبنان كانت مواقف مشرفة. المطلوب خلق جسور للتواصل لتغيير صورة هذه الثنائية لدى الجانبين. ولا ننسى أن هناك مسؤولية يتحملها المسلمون أنفسهم. تتحدد هذه المسؤولية في أن العيش في مجتمع لا تؤمن بقيمه غادره. على من لا يستطيع أن يعيش أو يتكيف مع المجتمعات الأخرى مثل المجتمعات الغربية أن يذهب إلى المملكة العربية السعودية أوإيران. هناك قوى اسلامية ترفض الاندماج تماماً، وتعتبر المجتمع الأوروبي الذي تعيش فيه كافراً.> هناك مبدأ نشر الدعوة عند مثل هؤلاء..؟- هذه هي المشكلة. مشكلة الجيل الثالث من المسلمين أنهم لا يعرفون من هم، الجيل الأول كان همهم أن يأتوا ويستقروا. الجيل الثاني والثالث أخذ يبحث عن الهوية. وفجأة تأتي أحداث دولية تجعلهم يكتشفون أنهم لا ينتمون بالفعل إلى هذه الثقافة وهذا المجتمع. أصوات التطرف تأتي من هذا التيار. ثقافة الكراهية تنمو وتعشعش جراء جهل مثل هؤلاء بتاريخهم وثقافتهم مما يسهل تسييسهم وجرهم إلى التطرف. هناك خطاب متطرف ينبغي مواجهته حتى داخل المجتمعات الأوروبية أيضاً.> ألم تشهد سويسرا موجة عداء عنصرية؟- في سويسرا لم يوجد مثل هذا. حدث فقط نوع من النقاش فجَّره بعض المسلمين الذين يريدون بناء مساجد ووضع منارة عليها. وكأن مشاكل المسملين كلها اختفت ولم يتبق سوى المنارة والهلال. هناك مشاكل عداء عنصري لكنها موجهة اساساً ضد الافارقة. تمييز على اساس اللون. لكن هناك أيضاً بعض التردد من قبل السويسريين ازاء المسلمين. أنا كثيراً ما أُستضاف في وسائل إعلام عديدة واشارك في ندوات وألمس دائماً نوعاً من الخوف. لا يعرفون من يكون هذا المسلم ويريدون أن يعرفوا. عندما يتعرفون على أفكاري لا يجدون مشكلة. لكنهم ما أن يسمعوا صوتاً آخر متشدداً حتى يقعون في حيرة. لا يدرون مع من يتعاملون. ليس هناك مشكلة في أن يحافظ الإنسان على هويته ويكون مندمجاً. الاندماج لا يعني الذوبان. للأسف بعض الأسر المسلمة ترفض، تعزل نفسها وترفض التعاطي مع الاندماج لدرجة أن البعض من المسلمين يرفض ارسال اطفاله في رحلات مشتركة تنظمها المدارس. ما يحدث في اليمن ليس غائباً عن أوروبا حيث الفكر المنغلق حاضر في الجاليات الاسلامية في أوروبا.> لكن المشكلة تبقى في المنحى التبشيري في فكر الجماعات الإسلامية وما يترتب على ذلك من نزوع إلى العنف؟- من هنا يأتي دورنا نحن. بأن نقول: لا، الدين لله، جانب روحاني. الايمان بأن ديننا هو الأفضل سيبقى مشكلة بالنسبة لنا. الاديان الأخرى هي ايضاً تزعم لنفسها الأفضلية، ولكن ربما بأدوات مختلفة. لكن مشكلة التبشير غالباً ما تتم بدعم مالي. فإذا ما كانت الحكومة السعودية كفَّت عن دعم العمل الخيري التبشيري إلا أن بعض العائلات الغنية والجمعيات والمؤسسات الدينية ما زالت تعمل بشكل نشط في مجال الدعوة.لا نريد منهم أن يخربوا حياتنا هناك. نحن لا نبحث عن صِدام. الحوار هو الأساس بين الشعوب والحضارات. وكل موقف وسلوك يصدر، يجري توظيفه هناك من قبل القوى اليمينية المتطرفة واستغلاله في رسم صورة سالبة للمسلمين باعتبارهم جماعات متخلفة.القوة اليمينية في الغرب وكذا في العالم العربي والاسلامي ليس من مصلحتها وجود حوار بين الشعوب والثقافات, ومسؤوليتنا أن نعي لمثل هذا ونتصدى له.نحن اليوم في لحظة حرجة توجب على كل منا اتخاذ موقف واضح. ليس بمقدورك أن تبقى محايداً ولا ينبغي عليك أن تكون كذلك. إنها لحظة حرجة وخاصة بالنسبة لتاريخنا نحن كمجتمعات عربية، ليس هناك عالمين بل نحن جميعاً في عالم واحد

الهام مانع

* وُلدت في مصر، ودرست الابتدائية والاعدادية والثانوية متنقلة ما بين: مصر، اليمن، الكويت، والمغرب، حيث كان والدها محمد علي مانع سفيراً لليمن.* حصلت على البكالوريوس في العلوم السياسية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف من جامعة الكويت.* عملت لمدة ثلاث سنوات معيدة في قسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء، وسكرتيرة للجنة اعضاء بعثة التدريس بمكتب رئيس الجامعة.* حصلت على منحة فولبرايت الأمريكية. وهناك حصلت على درجة الماجستير بامتياز. كما التقت بالشخص الذي اصبح زوجها، وهو سويسري كان عمل في مكتب البرنامج الانمائي للأمم المتحدة بصنعاء.* خلال دراستها للدكتوراه في جامعة زيورخ السويسرية، عملت صحفية في القسم العربي بالإذاعة السويسرية (إنفوسويس) وترقت إلى منصب نائب رئيس تحرير.* بعد انتهائها من دراسة الدكتوراه التحقت بالعمل في جامعة زيورخ، وما زالت تعمل فيها استاذة لمادة السياسة والدمقرطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.* صدر لها عدد من المؤلفات، ومنها:- الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن.- السياسات الاقليمية في الخليج.- سياسات البقاء: دراسة تطبيقية على المملكة العربية السعودية. كما نشرت لها بحوث في عدة دوريات فرنسية وألمانية.* تكتب الرواية، وصدر لها «صدى الأنين» وتستعد لإصدار رواية جديدة بعنوان «بلا خطيئة».* تكتب مقالات في عدد من المواقع الالكترونية، ومنها: «يوميات امرأة عربية» على موقع شفاف الشرق الأوسط.* عدا الدول العربية الأربع والولايات المتحدة, عاشت في المانيا وإيران, وتستقر الآن في سويسرا التي تحمل جنسيتها.

تعليقات