اليمنيون على محك التغيير الذاتي


رفض محمود (43 عاماً) الانضمام الى حملة «جمع مليون توقيع لوضع شعار شهر رمضان على محرك البحث غوغل وموقع فايسبوك»، خلافاً لزوجته، التي تجاوبت مع الحملة، لأن ذلك في رأيها سيؤدي إلى «إبراز الهوية الإسلامية على مستوى الفضاء الافتراضي». موقف محمود، الذي يعمل موجِّهاً تربوياً، ينطلق من أن «الهوية الحقيقية ينبغي أن تتجسد أولاً في السلوك وعلى أرض الواقع»، لافتاً إلى جملة من المظاهر التي يشهدها المجتمع اليمني في شهر رمضان.
ويحل شهر رمضان هذا العام واليمن يمر في لحظة مفصلية وحرجة، تتمثل بوقوف اليمنيين على عتبة مرحلة جديدة تعتبر اختباراً لمدى قدرتهم على إحداث تغيير حقيقي في حياتهم. صحيح أن الوضع في شهر رمضان يبدو أفضل حالاً من العام الماضي، خصوصاً لجهة التحسن الطفيف في خدمات الكهرباء والماء، لكنه يتزامن مع بروز ظواهر جديدة، مثل التفجيرات الانتحارية التي تثير مخاوف كثيرين، خصوصاً مع استهداف المدنيين من المارة، ومن بينهم نساء وأطفال. ووفق محمود، تتمثل القيم الاساسية لشهر رمضان بتحفيز التغيير الذاتي عند المسلم، وهو أمر لا يبدو واضحاً على مستوى السلوك الشخصي.
ويقول إن من المهم تربية الأبناء على «مضمون القيم الإسلامية الحقيقية»، والابتعاد عن جملة من النماذج السلبية التي تستغل الشهر الكريم، كتحوّل الدوام إلى مجرّد بصمة دخول وخروج، إضافة إلى جشع التجار، وذهاب الزكاة والصدقات الرمضانية إلى الميسورين أنفسهم، بينما لا يُعطى للفقراء إلاّ «فتات».
وانتشرت في الشوارع وفي وسائل الإعلام إعلانات عن تخفيضات رمضانية على السلع، بيد أن حركة التبضع تبدو ضامرة، ويعود ذلك إلى انخفاض القدرة الشرائية عند المواطنين.
ويتوقع البعض أن يشهد رمضان هذا العام موجة تسول غير مسبوقة، بسبب تزايد أعداد غير القادرين على توفير الحد الأدنى من المال لشراء الغذاء، وهي القضية التي حركت ضمائر منظمات عالمية ما انفكت تحذّر من مجاعة تهدّد اليمن، في حين تبدو الحكومة اليمنية والقوى الاقتصادية والسياسية المحلية «غير آبهة».
ويؤخذ على الحكومة طريقة معالجتها قضية تنظيم «القاعدة» وتفاهمها مع جماعة الحوثيين المسلحة، من دون أن تولي أي أهمية لتصحيح منظومة الأسعار التي تفتك بحياة الملايين. ويضاعف حلول شهر رمضان من العبء الاقتصادي على كثير من الأسر اليمنية التي تلتزم التقاليد، من إقامة الولائم للمعارف والأقارب من العازبين.
ويبدو واضحاً انحدار الدخل مقابل تصاعد الأسعار أو ثباتها، اللذين لا يحفزان على الشعور بالرضا، ويزيدان من حال النفور وعدم التفاعل مع كثير من القضايا العامة. ويرى البعض أن «أسطورة» الرئيس السابق، التي لطالما اتخذتها القوى السياسية شمّاعة، ولّت إلى غير رجعة، متسائلين عمّا يمكن أن تفعله النخبة الجديدة القديمة التي وصلت الى سدّة الحكم». ويقول محمود: «أخشى أن تعاد خرافة الثورة من أئمة ومستعمرين، لتبرير الانغماس في لذّة السلطة والتنصل من هموم الشعب الذي تسلّق الحكّام الجدد مراكزهم على دماء ابنائه».
وتقول أم مازن: «قلوب الجشعين ومصاصي دماء المستهلكين ترق في رمضان، لكنها رقّة لا تلبث ان تنقلب شراهة جامحة»، وتضيف: «حتى الزبادي واللحوح، السلعتان اللتان يكثر الإقبال عليهما في رمضان لإعداد وجبة الشفوت، لم تنجوَا من لعبة الإخفاء والتخفي بقصد رفع سعريهما».
والراجح أن القيمة الأخلاقية التي ينطوي عليها شهر الصوم مازالت بعيدة، وقلما اقتربت أو تجسدت في سلوك الصائمين. ولعل في تحوّل رمضان مناسبةً لما يُسمى «الاسترزاق الجديد»، من قبيل ما تمارسه بعض الجمعيات الخيرية المتهمة بالتكسّب من مشاريع افطار الصائم، «لا تكسب مغفرة ورحمة بل كسباً مادياً مقيتاً»، وفق أم مازن، ما يؤكد تباعد هذه القيمة الرمضانية عن حياة الصائمين.

تعليقات