الجامعيون اليمنيون أكثر تشددا من السياسيين والعسكر


 "لدينا أثوار وليس ثوارا" يقول قيادي في نقابة هيئة التدريس في جامعتي صنعاء وعمران. معبرا عن استياءه من استمرار التباينات بشأن الاتفاق على إعادة الدراسة في  جامعة صنعاء. فرغم بوادر الحلحلة التي تشهدها الأزمة اليمنية على المستوى السياسي إلا أن  الاتفاق الذي أبرم أخيرا بشأن عودة الدراسة الى جامعة صنعاء ، باستثناء كليتي الآداب وطب الاسنان، جاء تاليا للاتفاق السياسي بين طرفي الأزمة اليمنية . ومازال الانقسام داخل الحقل الاكاديمي يبدو أكثر تشددا وأقل مرونة  قياسا بما يجري على المستويين السياسي والعسكري. وهذه مفارقة  تسم الاكاديميا اليمنية في العمق.
وفي أول حادث يسجل بعد عودة الدراسة اعتدى طلاب محسوبون على المعارضة على عميد كلية الاعلام المحسوب على الموالاة على خلفية مازعم أنه  تهجم صدر منه ضد الثورة وشهداءها. وكان العميد ذاته سبق واتهم العام الماضي بتمزيق صور للرئيسين الراحلين اليمني والمصري ابراهيم الحمدي وجمال عبد الناصر.
ويشي استمرار التعصب السياسي والايديولوجي داخل الحرم  الجامعي بضعف ثقافة الحوار والتعايش لدى الجامعيين اليمنيين المفترض أن يمثلوا الطليعة الفعالة لنشر الدمقرطة والتنوير.     
وكانت الحركة الاحتجاجية المستمرة منذ شباط (فبراير) الماضي للمطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح وابناءه واقاربه عن الحكم. والتي صاحبها انقسام الجيش اليمني وأعمال عنف، عززت الشرخ القائم  داخل الجامعات الحكومية، خصوصا جامعة صنعاء، التي تحولت الى ثكنة للقوات العسكرية الموالية لـ "الثورة الشبابية". ما أستدعى برئاسة الجامعة  نقل الدراسة الى أماكن تقع خارج مباني الجامعة ، خصوصا بعد  اعلان نقابة  هيئة التدريس  الاضراب الشامل والوقوف الى  جانب الشبان المحتجين الذين  رفعوا شعار "لا دراسة ولا تدريس الا بسقوط الرئيس". غير أن  الدراسة  في الاماكن البديلة ،جاءت مشطورة وتمثل طرفا واحدا هو جانب النظام مع وجود بعض  الطلاب مما بات يعرف بالأغلبية الصامتة.
وغداة توقيع طرفا الازمة اليمنية على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية  في العاصمة السعودية ،أعلنت نقابة هيئة التدريس بجامعتي صنعاء وعمران عن تعليق الاضراب الشامل الذي سبق واعلنته .مبدية استعدادها استئناف العملية التعليمية  في الحرم الجامعي .
وكان نقل الدراسة الى  مواقع بديلة  تقع  خارج المنطقة التي يسيطر عليها الجيش  المؤيد للحركة الاحتجاجية، جاء  تعبيرا عن رغبة سياسية استهدفت اظهار قدرة النظام على الاستمرار في تسيير الشئون العامة فيما الحقيقة  أن الاماكن البديلة  خلت  من البيئة المواتية للدراسة ومنها الدروس التطبيقية ناهيك بعدم اكتمال عدد الطلاب والمدرسين. 
 ولئن جاء  قول القيادي النقابي " لدينا اثوار وليس ثوارا"  نتاج  لحظة انفعال وغضب أثناء جولة المفاوضات بشأن عودة الدراسة الى الجامعة الا انه عبر، من حيث يدري أو لا يدري ،عن حال راهنة لاتخص فقط الجامعيين المنضوين  تحت راية " الثورة "،وهو واحد منهم ، بل تشمل مجمل المشهد الجامعي  وربما الانتلجنسيا اليمنية برمتها. فمازال التناطح السياسي والايديولوجي يطبع الخلافات داخل الحقل الاكاديمي. وغالبا مايحل التخوين  محل الحوار.
وكان  اتحاد الطلاب  واكاديميون  اعتبروا  الدراسة في اماكن بديلة محاولة لاستدراج الطلاب وقتلهم. وطغت صور شهداء "الثورة الشبابية"  على مظاهر الاحتفال ببدء الفصل الدراسي  التعويضي الذي دشن  من طرف واحد ممثلا  بنقابة هيئة التدريس واتحاد الطلاب فيما غابت  عنه ادارة الجامعة والموالون.
والحال أن استمرار التنازع مابين الطرف المعارض والموالي والتباين بين المعارضين انفسهم ،بشأن التوافق على استئناف الدراسة في جامعة صنعاء هو انعكاس لثقافة اكاديمية تحركها أولويات سياسية غير ديمقراطية. وماانفك التعصب  السياسي والايديولوجي يلقي بظله على الابحاث المنجزة داخل الجامعة.
وترى طالبة الدراسات العليا  منى عبد الله، في  تسابق الاحزاب للسيطرة على الجامعة  السبب  الرئيس في عسكرة الجامعة  وتسييسها . وتلفت إلى  ماأسمته  ملامح  "الاعاقة الاكاديمية". ومنها تحول الاكاديميين الى مبررين لهذا الطرف السياسي  أو ذاك.إضافة الى  تواضع  دور الاكاديميين  في ساحات الاحتجاج. فالمنجز الاكاديمي  في الساحات لم يخرج ، حسب قولها، عن تكريس  الهجاء واعادة انتاج الوعي الانفعالي  .
ويرشح من روايات  طلاب واساتذة  مستقلون، عن مفاعيل الحالة الحزبية  داخل الجامعات الحكومية وجود  مايشبه القبائلية الاكاديمية.ومن ذلك توزع الهيئة التدريسية الى مجموعات ترعى طلاب احزابها وتغدق عليهم بالدرجات وتعاقب الخصوم. ويقول مختار 29سنة  أن العلاقة بين الطلاب والاساتذة تتحدد ،قربا وبعدا ،وفقا للميول الحزبية. فيما يبقى الطالب المستقل غريبا "لاقبيلة جامعية له" حسب تعبيره.
وكان لشيوع المعايير السياسية في الجامعات أن خلق بيئة  طاردة للكفاءات  العلمية ممن يتعاطون مع العلم اولا. وخلال العشرين سنة الماضية هاجر العشرات من الاساتذة الجامعيين المشهود لهم بالكفاءة ليعملوا في جامعات غربية وعربية.
والراجح أن التغيير القائم على ثورة المعرفة لم يحن بعد. طالما ظل  الدور التنويري للجامعة اليمنية هشا او غائبا. وما التناطح  السياسي  الذي تشهده الجامعات اليمنية   سوى مظهر من مظاهر أزمة مستفحلة  ونتاج   لجهاز  تعليمي شمولي تخلق ونما في رحم نظام الحزب الواحد الذي ساد شمال وجنوب اليمن.حيث كانت الانتلجنسيا وماتزال حاملة راية الأيديولوجيا ونافخة كير التشدد والاقصاء.

تعليقات