لسنوات خلت بقي اعتقادي الراسخ هو أن إضافة المنطقة إلى اسم الشخص، وهذا شائع في اليمن، ضرب من الشوفينية لا يليق بمتعلم، فكيف بمن يتمتع بمقدار أعلى من الثقافة...
ربما لا أزال على هذا الاعتقاد لكن ما حدث هو، أنني، أنا علي سالم علي صالح، أخذت منذ نهاية العام 1993 تقريباً أوقع اسمي بعلي سالم المعبقي، بعدما استجدت أحداث كبرى اضطرتني لمثل هذا التراجع.
وطوال سنوات ما قبل 1990 بقيت أتحاشى ذكر اسم المنطقة التي انتمي إليها بسبب ما قد يثيره من حساسية لدى الأجهزة الأمنية التي كانت تنظر بعين الريبة إلى المنتمين إلى المناطق الواقعة على حدود الدولتين الشمالية والجنوبية على اعتبار أنهم قد يكونون مجندين من الدولة الأخرى.
وفي فترة ما بعد الحرب التي شهدها اليمن صيف 1993 بين القوات اليمنية الشمالية بقيادة الرئيس علي صالح والقوات الجنوبية بقيادة نائب الرئيس آنذاك علي سالم البيض، ألحقت تهمة «انفصالي» بكل من يعتقد بأنه موال لعلي سالم البيض الذي كان أعلن خلال تلك الحرب محاولة انفصال فاشلة. في تلك الغضون كنت أعمل لصحيفة معارضة واكتب تحت توقيع علي سالم وحدث ذات يوم أن تلقيت اتصالاً من زميل صحافي اسمه علي سالم أيضاً يعمل في مؤسسة إعلامية حكومية رجاني أن انشر بتوقيع آخر بسبب الالتباس المزعج بين اسمي واسمه مشدداً على أن رؤساءه ارتابوا من كتابته في صحيفة معارضة.
وصار اسمي مثار استغراب وتهكم من قبل كثر، فعندما أقدم نفسي لشخص يرد بالقول: علي سالم البيض؟ ألست محكوماً عليك بالإعدام؟ وعلى رغم مضي سنوات على حادثة الانفصال، بقي اسمي يلاحق بمثل هذا التهكم. غير أن هناك من يرتاحون إليه لأنه يذكرهم على ما يقولون بزعيم كان له الدور الأكبر في صنع الوحدة.
وثمة طائفة ثالثة تحمل كل من علي صالح وعلي سالم البيض مسؤولية
الحرب الكارثية التي شهدتها البلاد. وأمثال هؤلاء ما إن يتعرفوا إلى اسمي كاملاً حتى يصرخون باندهاش: يعووووه!! الاثنان معاً؟
وزاد الطين بلة بروز موجة عداء بعض القوميين والإسلاميين للكاتب
المصري علي سالم المتهم بأن له ميولاً تطبيعية مع إسرائيل. وعادة، بعض هؤلاء ما ان يسمع اسم علي سالم حتى يتمتم أعوذ بالله.
أما المعبقي الذي ظننتني لذت إليه من إفرازات الحرب فما لبث أن جلب لي الإرباك بدوره اذ اكتشفت موقعاً إلكترونياً على شبكة الانترنت يبدي تأييداً لأسامة بن لادن ويحوي كتابات موقعة باسم المعبقي. وعندما اعتذر فرع لمصرف عربي في صنعاء عن عدم فتح حساب لي على رغم استيفائي الشروط كلها، اعتبر بعض الأصدقاء ذلك شبهة الاسم قائلين إن المصرف ربما ظنني ممن يمارسون غسيل الأموال أو يؤيدون الارهاب.
وليست الأسماء اليمنية شائكة فحسب بل ومنها ما يحمل دمغة قداسة.
فكان مدرّس القرآن هو من يطلق الأسماء على المواليد كما يقيد تاريخ الولادة.
وبقي المذهب الديني محدداً لاختيار الاسم لدى الزيود والشوافع وهما الطائفتان الرئيسيتان في اليمن. ومع انتشار التمدن ومظاهر التحديث دخل بعض الحراك على الاسم الديني. غير أنه لا يزال نادراً أن تجد من ينتمي إلى المذهب الزيدي باسم داوود الذي قد تلقاه عند بعض من ينتمون إلى المذهب الشافعي مثلاً، كما لا يزال الخصام التاريخي بين علي ومعاوية يتبدى عند إظهار الكنية أو اللقب.
وكانت طائفة الأئمة الذين حكموا اليمن الشمالي قبل 1962 تمنح نساءها أسماء مذكرة الى جانب أسمائهن المؤنثة. وسبق لدراسات نسوية انثروبولوجية غربية تناولت اليمن، أن تطرقت لظاهرة استخدام أسماء مذكرة في مناداة النساء ويتم ذلك عادة في وجود أغراب.
ويعتبر بعضهم أن بعض الأسماء يبعد النحس، فينتشر في بعض المناطق اسم شوعي أو شوعية وهو يعطى لمن يولد في أسرة شهدت وفاة مواليد كثر قبله. وشوعة تعني بالدارجة اليمنية قبيح وهي هنا تعطى مراوغة للموت وابعاداً له.
وتعود قداسة الأسماء في صورة الاسم الموازي وخاصة عند أهل الطائفة الزيدية فمحمد ينادى عليه بـ «ألعزي» وعلي بـ «الجمالي» تقديساً للرسول محمد وابن عمه علي .
وفي حين ينتشر الاسم المركب على أسماء الله الحسنى مثل عبدالرحمن، عبدالعزيز..الخ، يطلق كذلك على الإناث امة الرزاق امة الرحمن، وهي أسماء تلقى ترحيباً. إلا أن أستاذة الإعلام في جامعة صنعاء أمة الرؤوف حسن الشرقي تمردت على إرث الإماء فصارت تعرف باسم رؤوفة حسن.
الشاعر الشاب توفيق سيف لجأ إلى المحكمة لتغيير اسمه إلى توفيق الأكسر، اعتقاداً منه بأن سيف ثقيل على شاعر. وثمة فكاهة تقول إن مدرساً مصرياً كان يعمل في اليمن سأل أحد الطلاب عن اسمه فأجابه: سيف حزام طربوش. فرد المدرس مغتاظاً: أنا عايز اسمك مش عدتك!
وعرف عن بعض اليساريين إطلاق أسماء على أبنائهم تحت التأثير الايديولوجي من قبيل «لينا»، «بكين» و «روزا» والأخير اسم أول فتاة يمنية تقود طائرة.
تعليقات