نوبل في اليمن ...تفكيك ثقافة العنف والديكتاتورية


باستثناء الصومال الذي انهارت فيه الدولة تماما، يبدو اليمن المستحق الفعلي في المنطقة ،لنيل جائزة عالمية بمستوى نوبل للسلام .فطبيعة التركيبة الاجتماعية الثقافية لهذا البلد القريب الشبه بأفغانستان،باتت تفرض على الغرب استخدام وسائل جديدة ،غير حربية، لمعالجة  مشاكل مستعصية مثل الإرهاب والديكتاتورية المقنعة.والعداء للآخر.
هكذا يبدو منح الناشطة اليمنية توكل كرمان(32سنة )جائزة نوبل للسلام،مقاسمة  مع الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غوبوي، هدفا استراتيجيا  يندرج  ضمن التوجهات الغربية الجديدة الرامية إحداث تغيير في بنية النظام السياسي والاجتماعي لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من طريق حفز مقومات التغيير الذاتي  داخل الثقافات المحلية عوض إستراتيجية العمل العسكري التي  بينت تجربتا غزو العراق وأفغانستان عدم نجاعتها.وفشلها الذريع في إرساء الديمقراطية وكبح التطرف والعداء للآخر.
ذهاب نوبل للسلام إلى امرأة  يمنية تنتسب إلى ثقافة سياسية  تقليدية مثال  حزب تجمع الإصلاح الإسلامي الذي تشغل  توكل كرمان عضوية  لجنته  المركزية ،يستهدف في المقام الأول تعزيز ثقة العناصر الجديدة  داخل هذه  الجماعات الإسلاموية  بصوابية توجهاتهم وحفزهم على المضي قدما في تجديد الخطاب والرؤى بما من شأنه تقليص مساحة الأفكار المغلقة والتحول  ألي ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وبقدر ماتصب الجائزة في تقدير الحضور النشط  للنساء داخل التنظيمات  الإسلامية .فأنها تردفه بالاعتراف بحركة الاحتجاجات السلمية المطالبة بالحرية والديمقراطية. والتي كانت كرمان في صدارتها .
فرغم الملاحظات التي قد  تسجل على الناشطة كرمان  ومنها عدم تمثلها تماما لثقافة الحداثة قياسا بناشطات من توجهات سياسية وفكرية أخرى غير أن ماجعل الجائزة تقع على كرمان دون غيرها في اليمن والبلدان العربية  يتأتى أصلا من مطلب البؤر الجغرافية  والاجتماعية الاكثر تشددا والتي تتهيأ لحدوث تحول وشيك.
وتبدو كرمان ، المرأة الوحيدة تقريبا التي استطاعت أن تحدث في بيئتها الحزبية الإسلامية تحولا  إيجابيا حتى ولو اقتصر ذلك على شخصيتها. مثال التخلي عن النقاب والنزول إلى الشارع .وهو أمر لا يخلو من مغزى في حزب متهم بأنه  يتعاطى مع  المرأة باعتبارها مجرد صوت انتخابي ووعاء للإنجاب.
ولاشك بأن حصول كرمان على جائزة بحجم نوبل سيجعل منها مثالا ملهما لشبان وشابات التنظيمات الإسلامية في شكل قد يفضي في النهاية إلى القطع  مع الخطاب الفقهي الجامد  الذي لطالما أنتج شخصيات متشددة.وليس من  المصادفة أن نجد بين طلاب جامعة الإيمان التي يرأسها رجل الدين اليمني المتشدد الشيخ عبد المجيد الزنداني من صار يوجه نقدا  للجامعة ويتهم مناهجها بتخريج متطرفين.ويقول ببراءة  حزب الإصلاح منها.
والراجح أن ثقل الإسلاميين في مشهد ثورات الربيع العربي  ومنها اليمن يدفع الحكومات الغربية أكثر  إلى تبني استراتيجيات احتواء جديدة  تأتي بنتائج تغاير تلك التي أثمرتها عملية تجنيد إسلاميين لدحر السوفيات من  أفغانستان.ومثل هذا يصح أيضا على أدوار البطولة التي صارت تعطى لحزب التنمية والعدالة التركي في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية.فهذا الحزب الذي بات مصدر إلهام لكثير من شبان التنظيمات السياسية الإسلامية في المدن العربية  خصوصا الإخوان المسلمين يراد له غربيا أن يكون حصان طروادة في تفكيك ثقافة العنف والديكتاتورية  وتبيئة المنطقة العربية لقبول الحداثة السياسية.
والواضح أن جائزة نوبل للسلام لم تعد تحتفي بسجل الماضي بقدر ماصارت ترمي إلى  حفز وقولبة أفعال المستقبل.ومثالها الراهن تعضيد التوجهات الإسلامية غير العنيفة.

تعليقات