مبادرات الشباب اليمنيين ... «خربشات عيال»


عندما أعلن عدد من الكتاب الشباب قبل سنوات تشكيل «جماعة العراطيط» الأدبية بدت التسمية، وتعني العراة، مغايرة للسائد في المجتمع اليمني وتشي بجرأة تتخطى المحاذير والتقاليد الاجتماعية. وتوقع البعض أن تبتعد الجماعة عن المتعارف عليه لجهة إبداع نصوص تتجاوز السائد وتخرج الأدب اليمني من نمطيته. بيد أن هذه الآمال سرعان ما تبددت واتضح أن لا جديد ابعد من التسمية. فتكريس كتابة جديدة تخلع عنها قوالب النمطية والاجترار لا يزال هدفاً صعب المنال. وما أنتجه اعضاء «جماعة العراطيط» بقي محكوماً بقوالب الآباء وأساليبهم. وهم بذلك لا يختلفون كثيراً عن غيرهم، الأمر الذي بات يلقي بظلاله على المشهد الادبي اليمني.
صحيح أن العقدين الاخيرين شهدا ظهورعدد كبير من المبدعين الشباب من الجنسين بينهم من سعى جدياً الى التمرد على نمط الآباء غير أن هذه المحاولات لم تقطع تماماً مع التركة الثقافية، سواء من حيث الاسلوب أو من حيث الاستمرارية. ولا يزال اجتراح اعمال متميزة في الادب والفنون الاخرى كالرسم والموسيقى محدوداً جداً ولا يتجاوز الاطار المحلي الضيق.
والراجح أن غياب النقد الموضوعي وشيوع الشللية والمجاملات وافتقار البلد لمؤسسات موضوعية تختص بتنمية الابداع وصقل المواهب جعل الساحة الثقافية تخضع لضروب شتى من العبث والارتجال بحيث صار الانخراط في المشهد الثقافي يستهدف في المقام الاول تسجيل حضور في الاحتفالات والبحث عن وجاهة اجتماعية حتى وان لم تقم على عمل ابداعي معين. وكان التسابق السياسي بين الاحزاب للسيطرة على النقابات ومنها اتحاد الكتاب قاد الى «تصنيع» كتاب لهذا الغرض. وتعترف قيادات في اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين بوجود اسماء في سجل العضوية لا شأن لها بالنتاج الادبي.
ومنذ تسعينات القرن الماضي شهد اليمن انتشاراً للمؤسسات والمنتديات الثقافية الحكومية والخاصة، كما ظهر العمل بالجوائز، الا أن هذا التعدد في النشاط الثقافي ظل كمياً وخلا تقريباً من النوعية. وتتركز الانتقادات الموجهة لعمل المؤسسات الحكومية والخاصة على اعتبار أن ما تقدمه لا يعدو ان يكون مجرد «بهرجة اعلامية» ونشاطات تفتقر للعمق.
ويؤخذ على آليات الجوائز ومنها جائزة رئيس الجمهورية للشباب قيامها على معايير حزبية وهذا الاتهام يطاول أيضاً الجوائز التي تمنحها مؤسسات ثقافية تابعة لافراد او بيوت تجارية.
وتحفل الثانويات والجامعات بمواهب كثيرة في مجالات مختلفة، غير ان النشاط الثقافي الفعلي شبه غائب عن النظام التعليمي، ما يعمق الهوة بين الأجيال الثقافية حيث لا يتورع بعض المخضرمين عن وصف ما يعتمل في الساحة الثقافية الطلابية والشابقة بأنه مجرد «خربشات عيال».
ومع ظهورالانترنت اطلقت مواقع الكترونية ثقافية. وهي وإن بدت أكثر حيوية ونشاطاً من المطبوعات الورقية الا انها لا تزال عاجزة عن الانفتاح واستقطاب كتابات متنوعة، خصوصاً ان المتعاطين في الشأن الثقافي غالباً ما يجهلون استعمال الحواسيب.
وثمة بين الجيل الشاب من يمتلك افكاراً خلاقة لتقديم اعمال ثقافية وفنية في قوالب لم يعتدها الجمهور اليمني من قبل كعرض لوحات على سطوح المنازل او اقامة معرض للصور الفوتوغرافية على مجرى السائلة (النهر) التي تشق صنعاء الى نصفين الا ان مثل هذه المبادرات ندر ان نفذت في شكل منظم او لقيت تشجيعاً ودعماً.
وتشي بعض التسميات الادبية مثل «جماعة ارباك» و «جمعية الغد» بدلالات توحي بوجود تمايز ما وحقيقة الامر ان غالبية تلك المنتديات متشابهة.

تعليقات